الرئيسيةأخبارالرئيسيةمخيم جنين.. ما أشبه اليوم بالأمس

مخيم جنين.. ما أشبه اليوم بالأمس

مع بزوغ ساعات الصباح الأولى، كان أهالي مخيم جنين يتكاتفون في نفض غبار الكارثة عن مخيمهم، الذي شهد يومين عصيبين أعادا إلى أذهانهم ذكريات اجتياح المخيم قبل 21 عاما، بينما عايش جيل جديد من أبناء المخيم أوقاتا شبيهة بتلك الذكريات التي حدثت هنا قبل عقدين.

عام 2002 شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية على الضفة الغربية، أطلقت عليها في حينها اسم “السور الواقي”، خلالها تعرض مخيم جنين للاجتياح والتدمير وقدم الشهداء على مدار 11 يوما. هذه المشاهد لم تغب يوما عن ذاكرة من عايشوا تلك الفترة من سكان المخيم، لكن جيلا جديدا ولد بعد ذلك، وها هو ذا يكوِّن ذكريات متشابهة مع تلك الأيام إلى درجة كبيرة.

في مدخل مخيم جنين التقينا محمد (18 عاما) منهمكا بمساعدة أبناء مخيمه في إزالة الركام.

يقول محمد الذي ولد عام 2005، أي بعد اجتياح عام 2002 بثلاثة أعوام: “صحيح أنني لم أكن قد ولدت في تلك الفترة لكننا أنا وكل جيلي نعرف كل تفاصيلها، فذكريات ذلك الاجتياح حاضرة في كل منزل، وكل ما في المخيم يحمل دلالات وذكريات من تلك الأيام، كما أن هذه الذكريات بقيت حتى يومنا هذا حاضرة في الأحاديث اليومية لآبائنا”.

يضيف: “كنا نسمع عن اجتياح المخيم من آبائنا وأقاربنا، لكننا الآن عايشنا شيئا شبيها بسبب عدوان الاحتلال على المخيم خلال اليومين الماضيين”.

كلما تقدمنا من مدخل المخيم إلى عمقه، تتجلى آثار الدمار الذي خلفه الاحتلال، فالبنية التحتية في المخيم تم تدميرها من خلال قطع خطوط المياه والكهرباء والهواتف، بالإضافة إلى تدمير الشوارع.

على طول الطريق الرئيس في المخيم تعمل جرافة على إزالة الركام المتهدم لإتاحة حركة المرور، بينما تقوم جرافة أخرى بتهيئة أحد الشوارع الذي أتلفته آليات الاحتلال بالكامل، تزامنا مع ذلك يتنقل شبان لا تتجاوز أعمارهم مطلع العشرينات بين الأزقة عبر دراجاتهم النارية بغية المساعدة في العمل.

في حارة “السكة”، وهي واحدة من أكثر حارات المخيم تضررا، تظهر أغلب المنازل على أحد طرفي الطريق مهشمة الأبواب والنوافذ ومكتسية بالسواد جراء الحرائق التي نشبت من القذائف التي أطلقها الاحتلال من الطائرات المسيرة، وفي الجانب الآخر من الطريق منازل أتلفت جدرانها الداخلية وحفرت ليتموضع عليها قناصة الاحتلال وليتحرك الجنود من خلالها من منزل لآخر.

عند مدخل منزلها، التقينا أم محمد عواد التي كانت تقف مع ابنتيها، تتفقد منزلها تارة ومنازل جيرانها في الجهة المقابلة تارة أخرى.

تصف أم محمد صعوبة اليومين الماضيين وأعمال الترهيب التي مارستها عليهم قوات الاحتلال لإخراجهم من منازلهم، تقول: “لم نكن نريد مغادرة منازلنا، لكننا أجبرنا على ذلك، وصلتنا عدة رسائل نصية عبر الهواتف المحمولة تحمل طابع التهديد، كما تم تهديدنا بقصف المنازل، ثم خرجنا مكرهين، وقضينا ليلة صعبة خارج منازلنا في منطقة قريبة من المخيم”.

وتضيف: “أنا أم لستة من البنين والبنات، عايش بعضهم اجتياح المخيم عام 2002 وكان أكبرهم حينها يبلغ من العمر سبعة أعوام، والآخرون ولدوا بعد ذلك وقدر لهم أن يعايشوا ظروفا شبيهة بالتي عايشها أشقاؤهم في الاجتياح السابق”.

إلى جوار أم محمد كانت تقف ابنتها ريان وهي طالبة جامعية في سنتها الأولى.

توضح ريان: “اليومان الماضيان كانا من أصعب أيام حياتي بسبب خروجنا من منزلنا إكراها، كذلك عايشنا ساعات في منتهى الصعوبة قلقين وخائفين من احتمال فقدان أحد أفراد عائلتنا أو أقاربنا بسبب العدوان”.

تضيف: “صحيح أننا ولدنا بعد اجتياح عام 2002 وليست لدينا ذكريات من ذلك الوقت، لكنني أعرف ما يعنيه ذلك كوني ولدت وعشت في مخيم جنين الذي يعاني من ممارسات الاحتلال باستمرار، ونحن الآن نعيش أوقاتا صعبة شبيهة لما عايشه ذوونا وأقاربنا خلال الاجتياح، لكننا نتمنى ألا تعايش الأجيال القادمة ذلك”.

تزامنا مع حديث ريان كانت شقيقتها الصغرى التي لا تتجاوز الـ15 عاما تتجه إلى الجهة الأخرى من الحي للاطمئنان على صديقتها التي عادت إلى المنزل مع عائلتها للتو.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن 80% من المنازل في مخيم جنين تعرضت للتضرر الكامل أو الجزئي خلال عدوان الاحتلال على مدار اليومين الماضيين، وفقا لعضو لجنة خدمات مخيم جنين محمد أمين في حديثه لـ”وفا”.

ويوضح أن العدوان أدى لتضرر وتلف البنية التحتية في المخيم بكافة عناصرها، فشبكة المياه تضررت بالكامل، إضافة إلى تضرر شبكة الكهرباء، وخطوط الاتصال الأرضية وانقطاعها عن المخيم.

ويضيف أمين: ما يحتاجه المخيم الآن بشكل عاجل ترميم المنازل المتضررة التي تشكل خطرا على أصحابها، إضافة إلى منح أولوية لإعادة شبكتي المياه والكهرباء وإصلاح الشوارع، ولكن يبقى كل ذلك مهددا، فالاحتلال يلوح بإعادة اقتحام المخيم وتنفيذ عدوان آخر.

يذكر أن مخيم جنين أقيم عام 1953، إلى الغرب من مدينة جنين، حيث بلغت مساحته عند الإنشاء 372 دونما، واتسعت بعد ذلك إلى حوالي 473 دونما، وبلغ عدد سكانه عام 1967 حوالي 5019 نسمة، وفي عام 2007 وصل إلى 10,371 نسمة، وحسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء” يبلغ عدد سكانه في منتصف عام 2023 نحو 11674 نسمة.

وفا- إسراء غوراني

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا