الرئيسيةمختاراتمقالاتوجع مستعصي قديم

وجع مستعصي قديم

كتب: موسى الصفدي

الطريق إلى المدرسة في أطراف المخيم القديم لم تكن محببة لكثيرين من أبناء جيلي خاصة أولائك الذين تبتعد بيوتهم بمسافة زمنية تفوق الخمس دقائق أو أكثر بقليل ؛؛؛

كنا نحتاج لكي نصل إلى المدرسة كأطفال لإستخدام كل ما كنا قد اكتسبناه في أزقة المخيم من خبث و ذكاء و احتيال على الطبيعة القاسية التي لم تكن ترحمنا حينها خاصة عندما كانت تريد أن تحول المطر تلك النعمة إلى لعنة لعناء على اهل المخيم و أبنائهم كذلك ما كان يتعارف على أنه بيوت المخيم .،.،.،

القليل القليل من تلك النعمة التي كانت تجود بها السماء على الأرض و الفلاحين الذين كانوا يسكنون بجوار المخيم الذي أقيم رغماً عنهم على مساحة ضيقة من أراضيهم كان بإستطاعته تحويل المخيم إلى بقعة خارج الحياة .،.،.،

كان بإمكانية متر مكعب من تلك النعمة أن يجعل من المخيم منطقة كوارث أممية بإمتياز لا يمكن محاصرتها او التخفيف من أثرها حتى لوتم إستخدام المخزون الإحتياطي للأوراد و الأدعية التي كان أهل المخيم يحتفظون بها لمثل هذه المناسبات السعيدة للفلاحين الذين ربما كانوا يشعرون بشماتة لم يعلنوا عنها بصراحة ؛؛؛

كانت الأزقة الضيقة في ذلك المخيم تتحول إلى مستنقعات طينية يصعب إختراقها أو الوصول إلى ضفافها الأخرى حتى لو تم استخدام ( قصبة رياضة القفز) .

كنا نصل إلى المدرسة بمشقة لا توصف و استعداد مسبق لمواجهة الأساتذة و غضبهم اليومي المستمر منذ نكبة عام 1948 ؛؛؛؛

الصفعات التي كنا نتلقاها مع سيل الشتائم و العصي التي كانت تتساقط على أيدينا كالرصاص أقل ما كانوا يقولونه لنا ( يا زبالة … يا حوش … انتو بدكم ترجعوا فلسطين … و انتوا هيك جايين على المدرسة مطينيين ) … ( يا بجم شوفوا زميلكم القدوة لكم و الترتيب الذي هو فيه … تعلموا منه يا أنذال ) و كانوا في ثورة غضبهم يأمرونا بالتصفيق له ؛؛؛

كنا نعرف أن هذا الطفل الغبي الفاقد للأبعاد و الشكل الآدمي لم يكن يملك أي شيء يميزه عن باقي الأطفال سوى علاقة أبيه ببعض الجهات و الشخصيات الهامة من خلال وظيفته التي عين بها بعد أن تم اختياره لها لوفائه و اخلاصه و تفانيه للجهات التي عينته ؛؛؛

الآن و قد مضى على تلك الذكريات أكثر من خمسين عاماً … في تلك الأيام الباردة التي تلقينا فيها كل ذلك الوجع أيٌ كان أكثر إيلاماً بالنسبة لأبناء جيلي في المخيم
؟ العصي التي كنا قد تلقيناها كالرصاص مع سيل الشتائم الذي كنا نسمعه كل صباح ؟

أم التصفيق لذلك الولد الغبي ؟ لا أعلم بالتحديد
بالنسبة لي حتى الآن لازلت أشعر بالألم بين أطراف أصابعي من التصفيق لذلك الغبي .،.،.،

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا