شكراً ليبيا!

كتب: د. صبري صيدم*

في الوقت الذي أعتقد فيه البعض أن عجلة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني قد دارت، وأن الناس تغاضت عن هذا الإثم وأوشكت على تقبله، وفي الوقت الذي تسلح البعض بدعم العم سام وتبريكات شلومو، ظهرت ليبيا والليبيون ليهزوا سفينة العرب الذاهبة نحو الكارثة، وعروش العرب المتباهين بتطبيعهم، لتعيد إلى الأذهان ما تسلحت به فلسطين طيلة حياتها، ألا وهو لهفة العربي وأنفته وحميته وغيرته والتفافه حول القدس والهوية.

ليبيا المجروحة المكلومة المنكوبة، نفضت غبار وجعها ونهضت من ركام الشرذمة والتمزق، لتقول (لا) لشلومو، ولا للتطبيع، ولا للانجرار وراء أولئك الذين غرر بهم وأوهمهم البعض بالدعم والحماية.

نهضت ليبيا لتذكّر كل حر شريف بأن دماء الفلسطينيين ليست رخيصة، وأن وجع السنين وجروح الزمان وأنين الخريف العربي لم تنسِ أبناء جلدتنا واجبهم تجاه القدس والأقصى وكنيسة القيام.. نهضت ليبيا في اليوم الذي صعد الإرهابي بن غفير إلى ظهر جرافة هدامة ليتغنى ويتباهى بهدم البيوت العربية، بل يجعل من ذلك حجة للسخرية والتندر.. نهضت ليبيا أيضاً في اليوم الذي اختار فيه وزير الإسكان الصهيوني أن يقتحم الحرم الإبراهيمي الشريف ليدوس كرامة النائمين المنبطحين وليدنس تاريخ أطهر معالم المسلمين والفلسطينيين.

ليبيا والليبيون والليبيات كانوا وما زالوا وسيبقون على العهد، تماماً كما الشرفاء من أبناء وبنات الأمة العربية، الذين تسلحوا بحناجرهم في مقابل من تسلح بقنابله ليقتل فلسطين، البشر والشجر والحجر. ليبيا الأصيلة بشيبها وشبابها إنما تستحق منّا الثناء والحبور، بعدما نام العرب على المستوى الرسمي، وبقي الشعب. والشارع، مستفيقين متوثبين، ممتشقين سيف الحق ورافعين علم فلسطين الجامع للكل العربي في كل محفل وعلى كل جبين. شكراً ليبيا التي فضحت ما توارى في الخفاء فاحتج بسببها البيت الأبيض على إسرائيل لحماقة ما يسمى بوزير خارجيتها الذي لهث وراء سبق صحافي، فوقع ضحية حماقته فكشف المستور وعطّل الجهد الماراثوني للإدارة الأمريكية التي ترى التطبيع أهم من حل الصراع وحقوق الشعب العربي الفلسطيني.

شكراً ليبيا لأنك ملئتِ الدنيا وشغلتِ الناس، أصالة وشرفاً وعزة وكرامة ودققتِ ناقوس الخطر أمام من تسول له نفسه بالانزلاق وراء أكذوبة اتفاقات إبراهام التي اخترعها ترامب ويتراكض وراءها بايدن اليوم ساعياً لتجسيدها علها توفر له طوق النجاة وجسر السلامة للعبور نحو الفوز في الانتخابات الأمريكية المقبلة، مهما كان الثمن. الانتصار لفلسطين وردّ حقوقها وإنصاف أهلها بالعدل هو الذي سيكون عنوان الأمن والأمان. وهنا أذكّر بمبادرة السلام العربية، التي ذكرت مفهوم التطبيع، والتي أوردها هنا رغم تحفظ الكثيرين عليها، أفعل ذلك بسبب كون البعض قد نسيها وذهب لتنفيذ بندها الثاني ونسيان البند الأول، بل إلقائه في سلة المهملات.
أ ـ الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
ب – التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
ـ عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ ـ اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
ـ يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام، جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.

ليبيا الأصيلة الفيحاء أبت إلا أن تدق ناقوس الخطر، فهل تكون الشرارة نحو وقف التطبيع بكامله، أم أن إدارة الظهر والهرولة نحو الانبطاح ستبقى سيدة الموقف؟ ننتظر ونرى!

* عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا