الرئيسيةأخبارعربية ودوليةموجات اللاجئين غير الشرعيين تصنع خللا في الهجرة الطبيعية إلى القارة العجوز

موجات اللاجئين غير الشرعيين تصنع خللا في الهجرة الطبيعية إلى القارة العجوز

أوروبا في حاجة ماسة إلى ثقافة الترحيب بالمهاجرين لتدارك العجز السكاني.

تسير دول أوروبية عديدة عكس الحقائق السكانية على الأرض بسياساتها المعادية للمهاجرين، حيث تدب الشيخوخة في أوصال قطاع القوى العاملة وهي في حاجة شديدة إلى تشجيع تحرك المهاجرين داخل حدود القارة الأوروبية والاستفادة منهم بأكبر درجة ممكنة.

يمكن للمهاجرين “إنقاذ” أوروبا “العجوز” التي يزيد عدد المسنين فيها بوتيرة أسرع من أيّ منطقة أخرى في العالم. ورغم رفضهم من قبل عدد كبير من مواطنيها، حيث تقدّر دراسات أن عدد السكان في سنّ العمل داخل دول الاتحاد الأوروبي سيتقلّص بمقدار 57.4 مليون نسمة بحلول عام 2100.

ويعني ذلك أنّ خطر التأثير السلبي على القدرة التنافسية الأوروبية سوف يزداد أيضاً. ومن المتوقَّع أيضاً أن يرتفع الإنفاق على الصحة والرعاية طويلة الأجل للمسنّين ومعاشات التقاعد.

وأكد خبراء في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذين اعتبروا أن “القارة المسنة” يمكنها تفادي أن تدب الشيخوخة في أوصال قطاع القوى العاملة إذا استفادت من المهاجرين، وذلك بإدخالها المزيد من النساء والمسنين إلى سوق العمل وتشجيع تحركهم داخل حدود أوروبا والاستفادة من المهاجرين الموجودين بالفعل بأكبر درجة ممكنة.

ووفق مؤشر الاقتصاد والمجتمع الرقمي الأوروبي فإنّ أربعة من كل 10 راشدين يعملون في أوروبا يفتقرون إلى المهارات الرقمية الأساسية، فيما يتمثل العامل الثاني في نسب الشيخوخة المرتفعة في البلدان الأوروبية مقابل انخفاض معدلات الخصوبة.

نقص العمالة

في 2022، أبلغت نحو 3 من أصل كلّ 10 شركات عن نقص في العمالة، كما تحدثت 74 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة عن وجود نقص في العمَّال المَهَرة. وفي يونيو 2023، قالت صحيفة “التايمز” البريطانية إنّ فنادق أوروبية اضطرت إلى إغلاق طوابق كاملة، وقلَّصت المطاعم ساعات عملها؛ بسبب النقص المزمن في العاملين في قطاع الضيافة.

وحذَّرت الصحيفة أولئك الذين يريدون قضاء عطلاتهم في أوروبا من أنّ “الفنادق والمطاعم وأماكن الجذب في جميع أنحاء الاتحاد تواجه مشكلات غير مسبوقة في توظيف العمال”. ووفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، فقد سُرّحَ 1.69 مليون شخص يعملون في هذا القطاع خلال 2020، تزامناً مع عمليات الإغلاق المتعلقة بجائحة كوفيد – 19. ورغم انتعاش قطاع السياحة بسرعة في عام 2022، فإنّ الوظائف الشاغرة لم تُملأ بالسرعة الكافية.

وعلى المدى المتوسط والطويل سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى جذب عدد كبير من العمال المهرة من خارج الحدود والتغلب على معارضة الرأي العام لهم والذي يبرزه الصعود الواضح لأحزاب سياسية شعبوية مناهضة للمهاجرين.

وقال جان كريستوف دومون الخبير في شؤون المهاجرين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من باريس مقرا لها “إذا أغلقت الباب (في وجه المهاجرين) ستدفع ثمنا اقتصاديا”. وأضاف “في الوقت الراهن تمكننا الاستفادة أكثر من المهاجرين الموجودين بالفعل وخلق توازن أفضل بين مهاراتهم واحتياجات السوق لكن على المدى الطويل لن يقتصر الأمر على التوفيق بين المهارات بل سيتعلق بالأعداد”.

وطبقا للاتجاهات السائدة ستشهد ألمانيا، وهي القاطرة الاقتصادية لأوروبا إلى جانب إسبانيا وبولندا، تراجعا في عدد السكان من الآن وصاعدا وهو ما يؤدي إلى تراجع محتمل للنمو. وقالت هيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات) سيتراجع عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 74.7 مليون بنهاية عام 2050 إذا افترضنا عدم حدوث تغير في مستويات الهجرة. بل إن بعض التقديرات الأسوأ تذهب إلى توقع انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 65 مليونا بحلول عام 2060.

وهذا سيعني “قيودا خطيرة على إمدادات العمال” في بعض من أقوى الاقتصادات في الاتحاد الأوروبي (النمسا وهولندا وفنلندا بالإضافة إلى ألمانيا) طبقا لدراسة للمفوضية الأوروبية أعدها يورج بيشنر وكونستانتينوس فوتاكيس التي استندت إلى انتعاش اقتصادي لا يزيد على واحد في المئة.

في المقابل تنتظر بريطانيا وفرنسا وأيرلندا وإلى حد ما إيطاليا زيادة سكانية صحية أكثر. فبريطانيا ستسبق ألمانيا عام 2050 كأكثر الدول الأوروبية سكانا ليصل عدد سكانها 77.2 مليون نسمة إذا ظلت في الاتحاد الأوروبي بينما ستلحق فرنسا بألمانيا بعدد سكان يصل إلى 74.3 مليون نسمة.

حقائق سكانية

يسير عدد كبير من الدول الأوروبية التي مازالت تتعافى من أزمة اقتصادية استمرت سنوات، في اتجاه معاكس للحقائق السكانية على الأرض بلهجتها السياسية المعادية للمهاجرين. حيث يجذب قادة اليمين المتطرف أصوات الطبقة العاملة بمعارضتهم الشديدة لحرية تنقل العمال داخل الاتحاد الأوروبي انتقالا من الشرق والجنوب باعتبارهما الأكثر فقرا إلى الشمال الأكثر ثراء. وهم يتهمون الاتحاد الأوروبي بفتح الباب أمام تدفق المهاجرين “الذين يسرقون الوظائف” ويخفضون الأجور ومستويات المعيشة ويرفعون معدلات الجريمة.

وفي حين يجري استغلال الهجرة بوصفها قضية مثيرة للانقسام من جانب الجماعات اليمينية المتطرفة، تجابه جميع دول الاتحاد الأوروبي نقصاً مزمناً في القوى العاملة، وتبحث عن وسائل لمعالجة العجز السكاني الذي يتعذر تصحيحه على المدى المتوسط إلا من خلال الهجرة، وذلك بسبب مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلت من إنجاب الأطفال أمراً لا يحظى بإقبال شعبي.

واقترحت خبيرة اقتصادية جذب المزيد من المهاجرين إلى ألمانيا كإجراء لمواجهة نقص العمالة الماهرة، مشيدة بقانون هجرة العمالة الماهرة الذي أقره البرلمان.

وقالت مونيكا شنيتسر العضو في لجنة “حكماء الاقتصاد” المعنية بإرشاد الحكومة الألمانية في الشؤون الاقتصادية، في تصريحات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية “تحتاج ألمانيا إلى 1.5 مليون مهاجر سنوياً، إذا كنا نريد الحفاظ على عدد القوة العاملة في ضوء هجرة حوالي 400 ألف مواطن خارج البلاد سنوياً… نحن في حاجة ماسة إلى ثقافة الترحيب بالمهاجرين”.

وذكرت شنيتسر أن قانون العمال المهرة الجديد يسير في الاتجاه الصحيح، مشيرة في المقابل إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات، مثل تطوير هيئات شؤون الأجانب على النحو المطلوب من حيث تقديم الخدمات للأجانب دون التسبب في إعراضهم عن القدوم إلى ألمانيا، وقالت “لا ينبغي أن نطلب من العمال الأجانب المهرة التحدث باللغة الألمانية في كل وظيفة، بل يجب أن يكون موظفو هيئات شؤون الأجانب ممن يتحدثون الإنجليزية”.

وأقر البرلمان الألماني قبل مدة مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي يهدف إلى تشجيع العمال المهرة من خارج دول الاتحاد الأوروبي على القدوم إلى ألمانيا فضلاً عن إتاحة الفرص لطالبي اللجوء الموجودين بالفعل في البلاد.

وبموجب التشريع الجديد، سيكون هناك نظام نقاط مشابه للنظام الكندي. ومن بين أشياء أخرى، يتضمن القانون نظاماً جديداً يسمّى بطاقة الفرصة القائمة على نظام النقاط، والتي تتعلق بمعايير ذات صلة بالمهارات اللغوية والخبرة المهنية والعمر والصلة بألمانيا. وفي المستقبل سيُسمح لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات القدوم للعمل في ألمانيا دون شهادة جامعية، بشرط أن يتمكنوا من إثبات مؤهلات معينة.

وتعاني ألمانيا منذ سنوات في الحصول على عدد كاف من العمال بسبب شيخوخة السكان في قطاعات مثل الضيافة والصحة والبناء. وفي نهاية عام 2022، بقيت نحو مليوني وظيفة شاغرة.

وطالبت منظمات العمل منذ وقت طويل بتسهيل قوانين الهجرة إلى البلاد التي يقطنها 84 مليون شخص. وكانت غرفة التجارة والصناعة الألمانية أشارت في وقت سابق هذا العام إلى أن المشكلة لها تأثير اقتصادي كبير وبأن نصف الشركات الألمانية تواجه مشكلات في العثور على عاملين.

وأظهرت دراسة لبنك التنمية الألماني التابع للدولة، كيه.إف.دبليو، أن نقص العمالة المدربة المناسبة يظل أحد أكبر العقبات أمام النمو الاقتصادي لألمانيا. وبحسب التقرير نصف السنوي للبنك الصادر تحت عنوان “مؤشر العمال المهرة” للنصف الأول من العام الحالي فإن قطاع الخدمات هو الأشد معاناة من نقص العمالة.

وبشكل عام اشتكى أكثر من 42 في المئة من الشركات التي شملها المسح من نقص العمالة المدربة، في حين بلغت النسبة 75 في المئة من الشركات في مجال الخدمات القانونية والاستشارات الضريبية.

كما أظهر المسح أن الشركات الكبيرة تعاني من نقص العمالة أكثر من الشركات الأصغر. كما تعاني مناطق شرق ألمانيا من المشكلة بصورة أكبر، في حين تتراجع حدة أزمة نقص العمالة في جنوب غرب ألمانيا.

وبحسب دراسة بنك كيه.إف.دبليو، فإن التباطؤ الاقتصادي الناتج عن أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا أدى إلى تراجع مؤقت في حدة أزمة نقص العمالة.

سياسة اللجوء

شدد الاتحاد الأوروبي في ميثاق جديد على سياسة الهجرة واللجوء؛ إذ سيتم إنشاء مراكز على الحدود الخارجية للتكتل لدراسة طلبات من لديهم فرصة ضئيلة للبقاء. وتسعى الإجراءات الجديدة لأن تكون أسرع وأكثر إنسانية رغم الانتقادات الكثيرة.

وفي العشرين من شهر ديسمبر الجاري، حققت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اختراقاً، وصف بـ”التاريخي” بعد الاتفاق على ميثاق بلور سياسة مشتركة للهجرة واللجوء.

وتم التوصل إلى الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية معقدة اضطرت كل الأطراف المشاركة فيها لتقديم تنازلات. ويعتمد الميثاق الجديد نهجاً يسعى لأن يكون أكثر صرامة وفعالية على المدى الطويل لمعالجة تدفقات الهجرة واللجوء في التكتل القاري.

وتركز الاتفاقية على عدة مجالات رئيسية، من بينها تعزيز مراقبة الحدود الخارجية، وتحسين إجراءات اللجوء، وزيادة التعاون بين الدول الأعضاء. ومن بين التدابير الأساسية الجديدة، إنشاء مكتب اللجوء الأوروبي الذي يهدف إلى تمكين تقييم موحد وسريع لطلبات اللجوء. وتهدف هذه الخطوة إلى المساعدة في سد الاختلافات القائمة في أنظمة اللجوء الوطنية وتوزيع العبء بشكل أكثر توازناً.

وتباينت ردود الفعل على ميثاق الهجرة الجديد بين الحذر والارتياح، ففيما رأى البعض أن الاتفاقية خطوة مهمة نحو التضامن والاستجابة المنسقة لتحديات الهجرة، أعرب آخرون عن مخاوفهم بشأن سبل التنفيذ العملي وقدرة الاتحاد الأوروبي على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية للدول الأعضاء والقيم التي يقوم عليها التكتل القاري.

وبهذا الشأن كتبت صحيفة “أفتونبلاديت” السويدية (الديمقراطية الاشتراكية) “يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى سياسة هجرة مشتركة وستستمر هذه الحاجة في التزايد. لا يوجد دليل على أن عدد الصراعات العسكرية آخذ في التناقص، إضافة إلى تزايد عدد الأشخاص الذين سيضطرون إلى الفرار من الكوارث المناخية. إن حقيقة التوصل الآن إلى اتفاق من قبل التكتل القاري، يعد إنجازاً سياسياً وعلينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان الاتفاق سيحل المشاكل حقاً. فهل سيموت عدد أقل من الناس في البحر الأبيض المتوسط، حيث غرق حوالي 17 ألف مهاجر منذ عام 2014 وربما تكون الإجابة على كل هذه الأسئلة بالنفي. قد يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بروكسل تاريخياً، لكن سياسة الهجرة وقانون اللجوء ستظل قضية مثيرة للجدل في الاتحاد. وسيستمر الناس في الموت وهم يحاولون الوصول إلى بر الأمان”.

وتباينت ردود الفعل في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية حول ميثاق الهجرة الجديد. ففي حين رحب البعض بالخطوة باعتبارها تقدماً ضرورياً نحو حل أوروبي مشترك، رأى آخرون أنها غير كافية ودعوا إلى إصلاح أكثر شمولاً لسياسة الهجرة واللجوء. وبهذا الشأن نددت ستيفاني بوب من منظمة “أوكسفام” غير الحكومية بـ”النقطة المتعلقة بالمزيد من الاعتقالات خاصة لأطفال في مراكز تشبه السجون” حسب وصفها.

عن “العرب” اللندنية

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا