الرئيسيةمختاراتمقالاتمحاولات لفهم ما جرى

محاولات لفهم ما جرى

نتنياهو يعمل على جر المنطقة إلى حرب مفتوحة مع إيران وأدواتها لكسب الوقت على أمل عودة دونالد ترامب إلى الحكم، وبالتالي تكون فرصة تحقيق خطته لتهجير الشعب الفلسطيني ودفعه للاستلام أكبر.

كتب: عبدالكريم عويضة*

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من أحداث السابع من أكتوبر، وبعد زوال الدهشة والصدمة والذهول وما إلى ذلك من مشاعر رافقت البدايات، وبعد تتبع الأحداث بشكل دقيق بشقيها العسكري والسياسي، ومواقف وتصريحات أطراف الصراع المختلفة، بدأت تتوضح رويداً رويداً الصورة.. وبدأت تنضج الفرضيات المتعددة يوما بعد آخر، والتي سأطرحها فيما يلي كمحاولة لفهم الأمور بشكل أكبر، وكذلك سيناريوهات ما سيحدث نتيجة لذلك.

الفرضية الأولى (الفخ): منذ بداية عام 2023 تمر إسرائيل بشكل عام بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويمر بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة بمأزق جدي، يجمع المراقبون على أنه يهدد بشكل السلم الأهلي والاجتماعي لدولة إسرائيل. سعى نتنياهو ليسيطر على مختلف السلطات والمضي قدماً في سياساته المتشددة والتي تحافظ على وحدة حكومته اليمينية، بينما ذهبت المعارضة إلى القول إن هذه المحاولات سوف تدمر إسرائيل، وبدأت في عمليات احتجاج واسعة وتحشيد شعبي كانت تزداد يوما بعد يوم، بينما كانت حركة حماس تنخرط أكثر فأكثر في محور إقليمي تابع للنظام الإيراني شامل متعدد الميليشيات تحت عنوان: وحدة الساحات، حيث تم مؤخراً تشكيل ميليشيات جديدة تحت مسمى؛ حزب الله غزة (كتيبة العباس)، وكتائب القسام لبنان، وكتائب القسام في سوريا، وهذا يعطي مؤشرات جدية عن طبيعة هذا التحالف الجديد، وينقلنا إلى واقع التباينات التي أصبحت ظاهرة للعيان بين مختلف قيادات حركة حماس بشقيها السياسي والعسكري بناء على مكان تواجدها، هذه التباينات التي أنتجت تضارب المصالح بين حماس الخارج وحماس غزة.

استطاع نتنياهو بأساليبه المخادعة المعتادة، أن يموّه على حركة حماس (غزة) وأن يوقعها في الفخ، وأن يجرّها إلى مصيدة إيهامها تحقيق نصر تحسم فيه زعامتها على الحركة، وفي نفس الوقت يهرب من الانقسام في الشارع الإسرائيلي ومنظومته اليمينية بحرب تجمع جميع الشرائح الحزبية والمجتمعية حوله مرة أخرى، وتساعده على تقوية معسكره الفاشي في ظل الظروف التي كادت تعصف به.

ويدعم هذه الفرضية أن هناك الكثير من الدلائل التي تشير أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم مسبق بجميع الاستعدادات التي كانت حماس تقوم بها وبشكل مفصّل، هذا بالإضافة إلى البطء الشديد في الاستجابة للحدث من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي استغرق أكثر من 6 ساعات، والتحشيد الإعلامي الكبير حول الفظائع التي ارتكبتها حماس في مناطق غلاف غزة لإحداث الأثر المطلوب للذهاب إلى حرب كبيرة.

الفرضية الثانية (التآمر): خلال عام 2023 وقبل أحداث أكتوبر، بدأت تتضح معالم سياسة أميركية جديدة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية للوصول إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية – السعودية، ولا شك أن الانخراط الفلسطيني في هذا الموضوع بدأ يؤتي بعض الثمار التي كان من الممكن البناء عليها، حيث جرى عدد كبير من اللقاءات السعودية – الأميركية والفلسطينية – الأميركية، والسعودية – الفلسطينية، للنظر في الإمكانيات والمطالب لمختلف الأطراف للوصول إلى رؤية يمكن العمل عليها، وقطعت أشواطا مهمة في هذا المسار، والذي ربطت فيه المملكة التطبيع بالمطالب الفلسطينية، وهو ما أصبح يشكل عبئاً كبيراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي ومنظومته اليمينية، فهو من أراد من الولايات المتحدة لعب دور في عملية التطبيع على ألاّ يدفع ثمناً مقابل ذلك، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فتغيرات الوضع الإقليمي والدولي وثبات الموقف السعودي الداعم للقضية الفلسطينية، وضعت نتنياهو في وضع صعب، فبدأ الضغط الأميركي عليه من خلال عدم استقباله في البيت الأبيض في حين تم استقبال أطراف المعارضة الإسرائيلية المختلفة في واشنطن، وبدأت الملاحظات والتنديدات بما يقوم به قطعان المستوطنين في مدن الضفة الغربية خاصة الانتهاكات في القدس، وبدأ الحديث بشكل جدي عن دولة فلسطينية والاعتراف بها. من هنا بدأ نتنياهو بالتفكير في كيفية التخلص من الضغط الأميركي والأوروبي، والتآمر على هذا المسار الجديد الذي سيحطم كل مشروعه الذي عبّر عنه في الجمعية العامة في سبتمبر 2023 من خلال عرض خارطته الشهيرة.

في المقابل بدأت حركة حماس تشعر بالخطر على مشروعها المستمد من ميثاق جماعة الإخوان المسلمين، بعد تسريب معظم ما كان يجري في الكواليس السعودية – الأميركية – الفلسطينية عبر قنوات إعلامية وصحفية مختلفة، والذي شعرت حماس أنه جدي للغاية، وعليه أصبحت الحركة في عجلة من أمرها لتنفيذ ما قامت به للتآمر على هذا المسار المطروح في دوائر صنع القرار الدولي، يساندها في ذلك شركاؤها الإقليميون الذين التقوا جميعا على هدف واحد، وهو إفشال هذا المسار.

الفرضية الثالثة (نظام جديد): وهذه الفرضية نابعة من تداخل الأحداث ضمن نظريات نظام عالمي جديد، وتقتضي أن ما حدث يدخل ضمن إطار وضع قواعد نظام دولي وإقليمي جديد، وهذا يعني استبدال قوى بقوى جديدة، وتغيير أنظمة وسياسات ومراكز قوى في منطقة الشرق الأوسط، وقد بدأ تشكل هذا النظام منذ عدة أعوام، وبالتحديد منذ بداية تصعيد الأوضاع في منطقة البحر الأسود، ومحاولات ضرب شراكة الطاقة بين روسيا وأوروبا (القارة) وعلى وجه التحديد ألمانيا، واستمر بالتشكل مع اشتداد الحرب الأوكرانية – الروسية، وهذه الفرضية تستند على نظرية إفقاد دول أوروبا مواردها المالية والعسكرية.. وإعادة تبعيتها للولايات المتحدة عبر إعادة تأهيل حلف الناتو، وضم دول جديدة له بحيث لا يبقى أحد خارج المنظومة، وكذلك إعادة تدوير الصراع في أوروبا والشرق الأوسط لإنتاج نظام جديد يحد من المنافسة ويضع شروطا جديدة للصراع في مناطق النفوذ الدولي، والأهم أن يعيد الحركة للاقتصاد الأميركي والذي يعتمد بالأساس على الحروب، وبالتالي على الصناعات العسكرية والطاقة، وهذا يتطلب التخلص من عدد من القوى والسياسات لصالح قوى وسياسات جديدة، وكذلك إعادة رسم خارطة التحالفات بما يتناسب مع سياسة الولايات المتحدة الجديدة.

وفيما يخص الشرق الأوسط، تعتمد السياسة الأميركية الجديدة على السعودية كحليف إستراتيجي في المرحلة القادمة لما تتمتع به من موارد مالية هائلة، بالإضافة إلى موارد الطاقة التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذه المرحلة بالرغم من كل محاولات التوجه لما يسمّى الطاقة النظيفة والتخفيف من انبعاثات الكربون، وما إلى ذلك من سياسات تهدف بالدرجة الأولى إلى محاصرة الدول المنتجة للوقود الأحفوري وإدخالها إلى النظام الجديد، وقد بدأ التوجه في موضوع السعودية في بداية عهدة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي ترافق مع انفتاح أميركي كبير على هذا الموضوع والذي لم يكن يحظى بإجماع أميركي في ذلك الوقت، وقد تمت محاولة عرقلته عبر العديد من الطرق لا مجال للبحث فيها الآن. ولكن في النهاية رضخ الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وبدأت عملية الترتيب لهذا الدور القادم، وهذا يتطلب أن تخرج السعودية من مستنقع اليمن، وأن يتم ترتيب العلاقات مع إيران، وتعزيز نفوذ السعودية في الملفات الإقليمية المختلفة خصوصا في القضية المركزية (فلسطين) وكذلك لبنان والعراق وسوريا، وترتيب الصراع في السودان والحد من نفوذ بعض الدول الإقليمية التي تطرح نفسها كحليف موثوق للولايات المتحدة وبديلا عن السعودية في بعض الملفات، والأهم من كل هذا ترويض إسرائيل وتطويعها للقبول بدور السعودية الساعي للاستقرار والأمن في المنطقة برمّتها، وهي التي تنظر إلى نفسها – أي إسرائيل – كحليف أقوى لأميركا والتي تملك قدرات هائلة للتأثير على صناعة القرار فيها.

وقد كانت زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية بداية هذا المشروع، وبدأ بعدها العمل على صياغة أسس التحالف والذي يتطلب إدماج إسرائيل في المنطقة، وهذا يدفع إلى حل الموضوع الفلسطيني من وجهة النظر السعودية. من هنا بدأت المباحثات والمشاورات والتي تحتاج موافقة أطراف النزاع الأساسي على هذا المشروع وهي إسرائيل وفلسطين. فمن جانب فلسطين كانت الرؤية واضحة والمطالب واضحة، حيث أعلنت الولايات المتحدة استعدادها للنظر في هذه المطالب نظراً لصلابة الموقف السعودي الذي اتسم بالثقة بالنفس والقدرة العالية على مجاراة الأحداث والضغوط المختلفة، ولكن جوبه هذا المشروع بمعارضة شديدة من طرفين أساسيين من جهة نتنياهو ومنظومته اليمينية، التي تصر على استكمال تنفيذ مشروعها المتطرف بالإجهاز على الفلسطينيين ومحاصرتهم بكل الطرق لدفعهم للاستسلام والقبول بالوقائع الجديدة، ومن جهة أخرى حركة حماس التي كانت ولا زالت تسعى لخطف قرار الشعب الفلسطيني والتمثيل الفلسطيني لصالح أجندات ومصالح ضيقة مدعومة من أطراف إقليمية لها أيضا أجنداتها، كل ذلك تم بالتقاطع مع أجندات يمينية إسرائيلية عنوانها الأبرز استمرار شق الصف الفلسطيني والإجهاز على اتفاق أوسلو. وعليه كان على الولايات المتحدة التفكير في الوسائل الممكنة للسيطرة على الطرفين وهي بإنهائهما عبر اشتباك يفقدهما قدراتهما سواء على المستوى العسكري أو السياسي والشعبي. ويبدو أن هذه المرة أن القرار قد اتخذ.. وأن هناك مرحلة بناء لشكل سياسي جديد، وهو يتطلب التخلص من اليمين المتشدد في كل المنطقة بما في ذلك حزب الله وكل أدوات إيران التي كان وجودها في المرحلة السابقة حاجة وضرورة أميركية لتنفيذ مخططات سابقة.

أما بالنسبة إلى السيناريوهات، فهناك سيناريوهان:

السيناريو الأول (إتمام المهمة): السيناريو يعتمد على أن الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل عددا من الخطوات التي ستقود في النهاية إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية، وبالتالي التخلص من نتنياهو ومعسكره اليميني وتحميله المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه الأمور بأن إسرائيل أصبحت دولة منبوذة، وقد آن الأوان لعمل ما يلزم من أجل ترميم الصورة، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقبول بالنظام الجديد، وهذا تطلب خلال الفترة السابقة أمرين أساسيين، الأول هو إمساك الولايات المتحدة بزمام الأمور من زاوية دعمها الكامل لإسرائيل وجعلها في حاجة دائمة لها كحليف قادر على حمايتها سواء على المستوى العسكري أو المستوى السياسي مما يجعل الولايات المتحدة هي المنقذ والحامي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وبالتالي يجب على إسرائيل قبول ما يتم طرحة من قبلها.

والأمر الآخر أن الولايات المتحدة تعلم تماماً قدرة بنيامين نتنياهو على المراوغة واللوبي المهم الذي يعمل لصالحه في مراكز صنع القرار بداخلها بل وفي أغلب دول العالم، وبالتالي يجب تشكيل ضغط دولي مصاحب.. وتجلى ذلك من خلال التصريحات الأوروبية والدولية الكثيرة التي بدأت في تشكيل رأي موحد حول ما يجب فعله، بالإضافة إلى استخدام المنظمات الدولية والإقليمية لتشكيل أداة ضغط إضافية، والقصد هنا بالحديث عن الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة، محكمة الجنايات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وفي النهاية محكمة العدل الدولية وما صدر عنها من قرارات ستنضم إلى وسائل الضغط الأخرى. وفي نفس الوقت تعمل أيضا على تمهيد الأمور للتخلص من حركة حماس عبر أمرين أساسين هما؛ من ناحية عسكرية وهي إضعاف القدرات الأساسية لها، ومن ناحية أخرى سياسية بحيث يتم تحميلها المسؤولية عما آلت إليه أمور الشعب الفلسطيني والمعاناة التي يكابدها مما يفقدها الدعم الشعبي، فضلا عن ازدياد الضغط من الناحية السياسية على الدول الداعمة لها والترتيب لمرحلة جديدة تكون فيه حماس في موقف ضعيف وليست لديها القدرة على السيطرة على الأوضاع أو الحكم.

السيناريو الثاني (فشل المهمة): ويعتمد هذا السيناريو على أن يستطيع نتنياهو تحمل الضغوط المتزايدة بل وجر المنطقة إلى حرب مع لبنان وربما جر جميع الأطراف إلى حرب مفتوحة مع إيران وأدواتها لكسب الوقت على أمل عودة دونالد ترامب إلى الحكم، وبالتالي تكون فرصة تحقيق خطته لتهجير الشعب الفلسطيني ودفعه للاستلام أكبر.. وكذلك تخريب عملية وضع نظام جديد واستمرار العمل بالنظام الحالي وهو إدارة الأزمة بدلا من إيجاد حلول لها وتحقيق المكاسب على مراحل كما فعل خلال الخمس عشرة سنة الماضية.

كما يقوم هذا السيناريو على أساس عدم القضاء على حماس، وإبقائها قوية، والاستمرار في قتالها بل وفي بعض الأحيان مساعدتها بطرق مختلفة لتمديد مدة الحرب، وتنفيذ المخطط بتدمير فرص الحياة في قطاع غزة، وإعادة احتلاله بالكامل، ودفع شعبه للهجرة نحو سيناء.

*سفير دولة فلسطين في جمهورية كوت ديفوار

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا