الرئيسيةأخباردنماركيةالدنمارك: سوار الرجال الإلكتروني مطلب شعبي لحماية النساء

الدنمارك: سوار الرجال الإلكتروني مطلب شعبي لحماية النساء

كتب: ناصر السهلي

قبل نحو 10 سنوات اختارت السلطات النرويجية من أجل التعامل مع تزايد تعرض النساء للعنف من أزواجهن وشركائهن السابقين، والتي أدت إلى جرائم قتل في بعض الحالات، تطبيق سياسة مسؤولية المجتمع عن حمايتهن. وبعدما كانت الإجراءات السابقة تشمل حظر وصول الرجال إلى النساء المعنّفات عبر إجبارهم على توقيع تعهدات بعدم الاتصال بهن أو الوصول إليهن ومقابلتهن وجهاً لوجه، أجبر الرجال على ارتداء سوار إلكتروني يمنع انتقالهم ووصولهم إلى مناطق جغرافية محددة.
وسمح تحديد مناطق لتحرك هؤلاء الرجال ضمن محافظة أو قضاء عبر نظام التتبع المربوط بسوار، بمعرفة مرتكبي العنف، ومنح الشرطة الوقت الكافي لحماية النساء. ومنذ تطبيق هذه الحماية التي قد تمتد خمس سنوات انتهت محاولات الوصول إلى نساء معنّفات.

بالتأكيد ليس ربط المعصم بسوار إلكتروني لسنوات أمراً مريحاً للرجال، لكن الدوائر الاجتماعية والأمنية في النرويج وجدت أن الإجراء يصب في مصلحة الطرفين، فهو يوصل الرجال إلى نقطة الاعتراف بالواقع الجديد، وبأن النساء لا يردن التواصل معهم أو العودة إليهم، وربما يقررون أن يواصلوا حياتهم ويتزوجوا مجدداً. أما النساء فمنحهن الإجراء فرصة استعادة الشعور بالأمان، ومن ثم فرصة إكمال حياتهن بصورة مختلفة، وبعيداً عن القلق الدائم”.
واللافت أن النرويج كانت تطبّق سابقاً نظام إنذار خاص بالنساء المعنّفات الذي لم يمنع ارتكاب رجال جرائم قبل وصول الشرطة، وهو ما تعتمده الدنمارك حالياً، ما لا يمنع قتل بعضهم زوجاتهم السابقات، واستمرار كثيرين في خرق تعهد عدم التواصل معهن.
وقبل أقل من 3 سنوات اقترح مشرعون من “حزب الشعب الاشتراكي” (يسار)، بعدما شغلت جريمة قتل الرأي العام، تطبيق النموذج النرويجي الذي شهد تطويرات أتاحت وصول وحدات الشرطة إلى النساء بمجرد اقتراب الجناة المفترضين من حدود “المنطقة الحمراء”.
لكن هذه التطويرات غير متوفرة في الدنمارك، ما يجعل حالة نساء أسوأ بكثير من أولئك في النرويج، وهو ما تؤكده أرقام رسمية في كوبنهاغن رسمت صورة سلبية لـ”مطاردتهن”. ومن أجل توضيح معنى “المطاردة”، عرضت صحيفة دنماركية قصة ساني التي استطاع شريكها السابق التواصل معها والاتصال بها آلاف المرات خلال 53 يوماً، ما يدل بوضوح إلى احتمال تحوّل الاتصالات إلى هوس جدي قد ينتهي بجرائم عنف وقتل.

وقبل أقل من 3 سنوات، قتل رجل زوجته السابقة رمياً بالرصاص في مدينة ألبورغ (شمال) بعدما تأخرت الشرطة في الوصول إليها إثر إطلاقها بنفسها جرس الإنذار. وكان هذا الشخص وقّع تعهداً بعدم التواصل مع القتيلة. ومنذ هذه الحادثة تصاعد السجال الدنماركي حيال “عكس المسؤولية” عبر فرض ارتداء الرجال سوار تعقّب، وزادت الدعوات لتبني نموذج النرويج. وعزز ذلك تزايد انتهاكات أوامر التقييد الزجرية للرجال نحو 145 في المائة بين عامي 2017 و2022، بحسب أرقام أصدرها مكتب المدعي العام في كوبنهاغن.
وشهد عام 2017 تسجيل 2976 قضية انتهاك للتقييد، ثم ارتفع العدد إلى 7296 عام 2022، في حين انتهكت أوامر التقييد 5357 مرة عام 2023، بعضها من شركاء صنّفوا بأنهم “عنيفون”. وأمام تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء بدأت حكومة ائتلاف يمين ويسار الوسط الدنماركية التخطيط لتنفيذ تجربة فرض ارتداء الرجال سواراً إلكترونياً. وقال وزير العدل بيتر هاميلغورد إن “المخطط يشكل تجربة خاصة لحماية النساء من عنف الشركاء والمطاردة”.
وتبحث الأحزاب الدنماركية حالياً نموذج الحماية الذي يمنح الشرطة القدرة على الوصول إلى الضحايا خلال دقائق، علماً أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 118 ألف سيدة يتعرضن لعنف جسدي ونفسي، بينهن نحو 5 آلاف يعشن تهديدات وجودية. وتزداد في البلد جرائم “الغيرة” التي كانت تسمى “جرائم شرف” في بداية القرن العشرين، وتشمل أحياناً قتل الزوج أو الشريك السابق كل الأسرة بينهم الأطفال، ثم الانتحار.
ويعطي الضغط الشعبي الكبير دفعة إضافية لتبني الدنمارك السوار الإلكتروني، علماً أن 57 ألف شخص وقّعوا خلال أقل من شهر عريضة تدعو إلى فرض حماية عكسية باستخدام سوار إلكتروني يرتديه الرجال، في “مبادرة شعبية” هدفت إلى إجبار البرلمانيين على مناقشة القانون. لكن “المبادرة الشعبية” لا تعني أنه يمكن تمرير الاقتراح وإصدار تشريعات في شأنه. وكانت “مبادرة شعبية” لحظر الختان جمعت التواقيع الـ50 ألفاً المطلوبة لرفعها إلى البرلمان، لكن مشروع القانون أسقط بضغط إسلامي – يهودي مشترك، باعتبار أن المنع يمسّ الشعائر الدينية. وحالياً يملك المشرعون الذين يؤيدون فرض قانون السوار الإلكتروني فرصة لجمع غالبية برلمانية، خاصة أن القرار يحظى بشعبية كبيرة.
وسيفرض ذلك تعديل الشرطة الدنماركية تأخرها التقني مقارنة بشرطة النرويج التي استطاعت من خلال هذا النظام وقف قتل نساء كثيرات، وفرض ما يشبه فترة تسمح بتغيير الجناة المفترضين تفكيرهم وسلوكهم في المستقبل.

ويقول خبراء إن “العنف النفسي مدمّر، خصوصاً إذا أذلّ الناس لفترة طويلة، وإذا كان صادراً عن شريك الحياة أو أي شخص آخر، وبطريقة ممنهجة. وهو ليس العنف الذي قد يدفع الشريك إلى الصراخ في وجه الآخر إذا ما اختلفا على بعض الأمور”. ويعتبر هؤلاء أن “العنف النفسي لا يثير اهتمام المجتمع في العادة. من هنا، يجب توعية الناس حول الدمار الذي يحدثه، وإقرار قوانين للحدّ منه”.

المصدر: العربي الجديد

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا