غايات إخفاء عدد الضحايا

#نبض الحياة

كتب: عمر حلمي الغول

لم يعد مفاجئا، أو مثيرا للاستغراب تصويت أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين على أية قرارات عنصرية، ومعادية للسلام، وداعمة لحرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، التي قادتها الولايات المتحدة مع إسرائيل وحلفائها من الغرب منذ 8 أكتوبر 2023، لا بل بات من الواضح ان السلطتين التشريعية والتنفيذية والقوى النافذة في الساحة الأميركية عموما تتكامل فيما بينها جميعا على ملاحقة الأصوات المؤدية والداعمة للسلام ووقف حرب الإبادة فورا، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والقانونية وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسن القوانين المكبلة لأية توجهات إيجابية في الشارع الأميركي بما في ذلك الحراك الطلابي داخل الجامعات الأميركية، وشن حملات اعتقال ضد المئات منهم.

وذلك انسجاما مع السياسة الناظمة للدولة العميقة وارباب اباطرة رأس المال المالي الأميركي والعائلات اليهودية الصهيونية، التي تغدق المال والرشوة لحماية ودعم الدولة الإسرائيلية النازية، وتعميدها لقيادة الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير، وتقديم اشكال الدعم العسكري والأمني والاقتصادي المالي والسياسي والديبلوماسي والإعلامي والقانوني لها، وفي المقابل التنكر الكلي للحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، وفي عداء واستباحة واضحة للقوانين والمعاهدات الأممية ذات الصلة.

والجديد على هذا الصعيد تصويت مجلس النواب الأميركي بأغلبية 269 صوتا مقابل 144 صوتا على تعديل يحظر على وزارة الخارجية الأميركية الاستشهاد بإحصائيات عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين من وزارة الصحة الفلسطينية في غز، في إجراء يعد جزءً من مشروع قانون المخصصات السنوية للوزارة. وهذه الأغلبية ضمت 62 نائبا من الحزب الديمقراطي، حيث قام النائبان الديمقراطيان جاريد موسكوفيتش عن فلوريدا وجوش غوتهايمر عن نيوجيرسي والنواب الجمهوريون جو ويلسون ومايك لولر وكارول ميلر قاموا بتقديم التعديل للقانون، وصوت النواب الجمهوريون ال207 بالإضافة للنواب الديمقراطيين، الذين تركت لهم قيادة الحزب الديمقراطي حرية التصويت، وهو ما يعني انها كانت عمليا مع تمرير مشروع القانون.

وفي مثل هذه الحالات عادة تتدخل قيادات الحزبين في توجيه النواب على كيفية التصويت في غالبية الحالات المشابهة ب”نعم” او “لا” على أي تعديل او أي مشروع قرار جديد وفقا لرؤية ومصالح هذا الحزب او ذاك. وبالتالي إطلاق يد النواب الديمقراطيين للتصويت وفق ما يرتأونه مناسبا، هو بمثابة موافقة ضمنية من قيادة الحزب الديمقراطي على دعم مشروع تعديل القانون. بيد ان القانون حتى يمرر يحتاج الى مصادقة مجلس الشيوخ.

ويعتبر النائبان موسكوفيتش وغوتهايمر رأس حربة داخل الحزب الديمقراطي في توجيه دفة التصويت، حيث عملوا مرات عدة على تقويض الحركة من أجل الحقوق الفلسطينية والخطاب المؤيد للشعب الفلسطيني. ففي ابريل الماضي انضما الى الجمهوريين لقيادة قرار يدين عبارة “من النهر الى البحر، فلسطين ستتحرر”، واعتبروا ذلك “معاديا للسامية”، وفي ديسمبر 2023 انضما الى النائبين الجمهوريين إليز ستيفانيك وستيف سكاليز لقيادة قرار يدين رؤساء الجامعات، ويدعو الى استقالاتهم بزعم التسامح مع “معاداة السامية” في الحرم الجامعي. وفي نوفمبر 2023 انضما الى 20 نائبا آخرين في انتقاد النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، لأسباب نشرها مقطع فيديو يدعو الى وقف إطلاق النار تضمن عبارة “من النهر الى البحر”.

ويوم الأربعاء الماضي (26 يونيو الحالي) انتقدت النائبة طليب عن ولاية ميتشغان التعديل المشار اليه أعلاه، وقالت انه يعني “إنكار للإبادة الجماعية”، وأكدت النائبة الوحيدة من أصول فلسطينية في الكونغرس، انها تعتزم تقديم قائمة بأسماء الفلسطينيين الذين استشهدوا في غزة الى سجل الكونغرس، وأضافت “من المهم ملاحظة ذلك للجميع هنا: القائمة طويلة جدا لدرجة أنني لا أستطيع حتى تقديمها بسبب الحد الأقصى للنص .. هذا هو عدد القتلى”.

وفي السياق علق أحد النواب الديمقراطيين لموقع “انترسبت”: “أنه أمر حقير، لكنه ليس صادما أن ينضم 62 ديمقراطيا الى الجمهوريين لدحض عدد القتلى بغزة، يجب على القيادة الديمقراطية ان تخجل من رفضها اتخاذ موقف، وفضح العنصرية الصارخة ضد الفلسطينيين، وإنكار الإبادة الجماعية في حزبنا”. وقال محمد خضر، مدير السياسات في الحملة الأميركية للعمل من اجل الحقوق الفلسطينية لذات الموقع، أن التعديل جزء من المشاعر المعادية للفلسطينيين في الكونغرس منذ بدء حرب إسرائيل على غزة، و”يمنع أي اعتراف بعدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ أكتوبر 2023، فإن هذا التعديل يعد مثالا واضحا على إنكار الإبادة الجماعية، ولا يختلف عما حدث تجاه ضحايا الإبادة الجماعية في رواندا وأرمينيا”.

إذاً غايات التعديل للقانون تستهدف إخفاء عدد الشهداء الذين بلغوا حتى اليوم 268 من حرب الإبادة نحو 38 الفا من الشهداء، و86 الفا من الجرحى وما يزيد عن 10 الاف من المفقودين وجلهم من الأطفال والنساء، فضلا عن الدمار الهائل للوحدات السكنية والبنى التحتية ومعالم الحياة المختلفة، وهذا يعني طمس الحقائق امام الشارع الأميركي، والتمييز العنصري الصارخ ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وإنكار حرب الإبادة الجماعية التي طحنتهم، وتهدف الى تمرير هدف التهجير القسري عبر مواصلة الحرب الجهنمية النازية، ولكي وعيهم بالقبول بالرؤية الصهيو أميركية، والتخلي عن ارض وطنهم الام فلسطين، وعن حقوقهم الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير من خلال حرمانهم من ابسط حقوقهم الإنسانية، وابقاءهم في دوامة النزوح من مكان لمكان لإزهاق ارواحهم تحت وابل نيران المحارق القاتلة بحروبها متعددة الأوجه. لكن الشعب الفلسطيني الصابر الصامد لن تفت في عضده كل الاعيب إسرائيل اللقيطة، ولن ييأس الشعب من صنع الامل ودحر الاحتلال الإسرائيلي.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا