بين الدبلوماسية العامة والرسمية و الدور المطلوب

بقلم: مروان اميل طوباسي

في زمن الانتكاسة السياسية للعديد من أنظمة الحكم بالعالم والهجمة المستعرة على شعبنا و قضيتنا و قيادتنا في منظمة التحرير، وعلى أثر المتغيرات المتسارعة في هذا العالم ، فإن حركات الشعوب والتضامن الدولي تُكسبنا دفعات وطاقات جديدة من خلال التشبيك و التعاون بالعمل معهم من أجل المزيد من فضح عنصرية الاحتلال وجرائمه ، ومن أجل محاصرة ومعاقبة ومحاولات عزل هذه السياسات الصهيو أمريكية بالمنطقة بل وبالعالم ، فقَدرُنا هو أن نكون بين الشعوب وحركاتها ضد النظام المتوحش والعنصرية والاضطهاد و الاستغلال أينما كان ذلك قائما.

دورنا ان نكون جزء من هؤلاء وان نساندهم كي يساندونا عندما نساند أنفسنا ، دورنا ان نقاتل من أجل كرامة فلسطين ومن أجل الحريات ومبادئ الإنسانية جمعاء وتقدمها ، مع من يقاتل لاجلنا ولاجله أيضا ، دورنا ان نبحث عن أصحاب المبادئ والسياسات المشتركة التي تتفق مع مطالبنا وحقوقنا المشروعة وحريتنا في هذا العالم دون نفاق سياسي ، وان نستعيد دورنا بين قوى الشعوب السياسية والاجتماعية التي لا توالي الاستعمار ومبادئ الظلم والاضطهاد او دولة الاحتلال ، كيف لا وثورتنا كانت تحمل راية لواء حركات التحرر العالمية لعقود طويلة .

دورنا ان نستنهض قوى برلمانية، نقابية ، حزبية وجماهيرية ضاغطة على الحكومات لان الحكومات متغيرة وتحديدا الأوروبية منها حتى نستفيد من تأثير هذا الضغط في علاقاتنا الثنائية معها التي نراها أيضاً باهميتها من حيث التضامن معنا بالمحافل الأممية دفاعا عن قضيتنا و حقوقنا وعن شرعية ميثاق الأمم المتحدة، وعن السلم الدولي حتى لا يعيش العالم في ظل شريعة الغاب أمام سياسة الهيمنة و الغطرسة الأمريكية ومن لف لفها، دورنا ان نضغط من خلال الدبلوماسية الرسمية من أجل أن تتوقف هذه الدول عن سياسة الادانات اللفظية فقط أو اعلان العبارات البراقة كمجرد حديث ، من أجل أن تنتقل الى مربع الفعل في مواقفها تجاه ابشع احتلال، ومن أجل أن تكون فعلا منسجمة مع نفسها وإلتزاماتها بشأن القانون الدولي والمواثيق والقرارات الدولية، كي لا يُكال بمكيالين أو اكثر في مسألة القانون الدولي.

دورنا ان نبحث عن القواسم المشتركة مع الجميع من خلال دبلوماسية رسمية شجاعة حتى مع أولئك الذين قد نختلف معهم، ونعزز تلك القواسم المشتركة معهم حتى ولو كانت بالحد الادنى لما فيه مصلحة قضايانا الوطنية بشجاعة وشموخ، وان نقترب من مختلف الطيف السياسي الأوروبي بقدر ما يقتربون منا في ظل هذه المتغيرات المتسارعة ، دون أن نقطع مع احد، بالرغم من التفاوت بالمواقف و كثافة الضغط الأمريكي الإسرائيلي والمال اليهودي الصهيوني المؤثر على قرارهم بغياب مؤثرات أخرى بنفس القدر.

إن العمل أيضا مع الهىيئات المحلية والجمعيات والمجتمع المدني بشكل عام و الاقتراب حتى اجتماعيا من مكوناته أمرا في غاية الأهمية، بهدف تطوير التعارف والاستفادة من ذلك التواصل بايصال ما نملكه من معلومات وحقائق حول قضيتنا و بلغتهم، ومحاولة التشبيك بينهم وبين مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني و الهيئات التمثيلية، وإقامة الفعاليات الثقافية التراثية، بل والإكثار منها لما تشكله من أهمية بالحضور والمعرفة والتواصل بين مجتمعاتنا وثقافاتنا، لأن ذلك ما يساهم في صناعة الرأي العام، الذي ما زال متضامنا معنا وفق محددات مختلفة.

هكذا انا افهم الدبلوماسية العامة المقاومة من أجل فلسطين ، لأننا ما زلنا حركة تحرر وطني نكافح من أجل دحر الاحتلال وحريتنا ومستقبل افضل لشعبنا ، هكذا افهم محاولة تغير المعادلات التي يجب أن نعمل من أجل تحقيقها.

فنحن في معادلة المصالح نخدم مصالح شعبنا لا مصالح غيرنا حتى ولو اختلفنا.

ان العمل الدبلوماسي عمل دقيق وصريح، يتنوع باجتهاد وفق الظروف القائمة والمواقف الشجاعة والملتزمة بثوابتنا التي تنسجم مع سياسات ومواقف قيادتنا و مشروعنا الوطني في هذا الزمن المعقد الان الذي تحللنا فيه بشجاعة من اتفاقيات لم ينفذها الاحتلال، لانه كان واضحا انه يسعى من أجل استدامة احتلاله ومشروعه الاستيطاني الاستعماري من خلال المراوغة المتعمدة وسرقة الوقت والاستيطان، ومحاولات الضم الجاري بدعم أمريكي مطلق ومنحاز وغياب مواقف جادة مضادة خاصة من الأوروبيين بتفاوت.

هنالك من يُصر على عدم قراءة دروس التاريخ وعِبَرها، او محطات الاستقلال في مرحلة تحرر وطني ما زلنا نسير فيها بما تحمله من تعقيدات، لا نملك فيها معدلات التبادل التجاري لقطاعات اقتصادية كما يملك غيرنا ، على أثر استغلاله لمواردنا ومصادرنا كي نحقق بخصوصها اتفاقيات ، لكننا نملك ما نريد من كرامة وطنية ومن تعاطف وتضامن الشعوب وحركاتها والعديد من الدول على أثر عدالة قضيتنا ووقاحة دولة الاحتلال وجرائمها التي أصبح من الصعب لكثير من الدول الدفاع عنها أمام شعوبها التي تصاعد حراكها أليوم ضد أشكال الظلم.

نريد من غيرنا المساهمة في تثبيت صمودنا و التضامن معنا والوقوف الى جانبنا سياسياً وبشجاعة أيضاً، كاصحاب رواية تاريخية صحيحة غير مزورة ، كما زور غيرنا التاريخ ، أوقعوا الظلم عليها على مدار عقود منذ جريمة نكبتنا ، لكنها ستنتصر ، لأن التاريخ لن يقف عند نقطة محددة فحلقاته في صعود وتغير.

١٧ حزيران

* سفير دولة فلسطين لدى اليونان

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا