الرئيسيةأخبارعربية ودوليةتـنظيمـات إسـلاميـة عـابـرة للحـدود - الحلقة الحادية عشرة كتب حمادة فراعنة

تـنظيمـات إسـلاميـة عـابـرة للحـدود – الحلقة الحادية عشرة كتب حمادة فراعنة

مقدمة لا بد منها

كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن : 1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار، 2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة، و3- الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .

وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما: 1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .

كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .

أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله، بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .

إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .

هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية :

1- حركة الإخوان المسلمين . 2- ولاية الفقيه الإيرانية . 3- تنظيم القاعدة . 4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش . 5- حزب التحرير الإسلامي.

لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.

حمادة فراعنة *

الإخوان المسلمون حزب سياسي

أخطأ المحامي عبد المجيد الذنيبات وفريقه، في الأقدام على تسجيل مشروعهم السياسي تحت اسم « جماعة الإخوان المسلمين « وارتكبت الحكومة خطيئة كبرى بقبولها تسجيل حزب سياسي تحت عنوان « جمعية « ! جمعية ماذا ؟ أهي خيرية أم دعاوية ؟؟ أم هي مؤسسة مجتمع مدني ؟ ما هو تصنيفها ؟ إنها جمعية سياسية بإمتياز، ولا شك أنها جمعية عليها الرهان أن تقدم مشروعاً إصلاحياً بديلاً ليس فقط في المساهمة في إدارة الصراع المدني مع باقي الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع من أجل تحقيق الاصلاحات الديمقراطية التي نتوسلها ونعمل لأجلها ونتطلع إليها كأردنيين، بل المساهمة في مواجهة طرفين أولهما العقلية المحافظة الأحادية التي تحكم إدارة حركة سياسية معارضة قوية بمكانة الإخوان المسلمين يقودها فريق دمر وحدتها، مثلما أضعف المعارضة السياسية القومية واليسارية والوسطية بتطرفه وبانعزاله عنها وفشله في التحالف معها، وثانيهما في مواجهة قوى الشد العكسي التي لا تريد أي تطور أو تقدم أو تعددية أو إصلاحات جدية حقيقة لبلادنا ولنظامنا السياسي ولا تسعى نحو أي تقدم ملموس لحياة شعبنا، وفق أوراق الملك النقاشية.

كنا نختلف مع الإخوان المسلمين منذ إستعادة شعبنا لحقوقه الدستورية عام 1989، واستئناف الحياة البرلمانية والمشاركة في لجنة الميثاق والمصالحة الوطنية منذ بداية التسعينيات، ومع الحكومات المتعاقبة في كيفية تعاملها مع الإخوان المسلمين، هل هي حركة سياسية ؟ أم حركة دعوية خيرة تستهدف تهذيب سلوك الناس الدنيوي بما ينسجم مع روح الدين والتدين ؟؟ وكانت قيادة الإخوان المسلمين هي التي تقرر المشاركة في الانتخابات النيابية أو مقاطعتها، ولم يكن حزبهم، جبهة العمل الإسلامي، يملك شجاعة القول أو الفعل أو الأقرار بالتوجه إلى الانتخابات قبل قرار مجلس شورى الجماعة ومكتبه التنفيذي ؟ فهل كان هذا مجرد رأي أخلاقي ناصح أم موقف سياسي مُلزم ؟؟ كان ثمة ازدواجية غير مبررة، وكان ثمة نفاق حكومي غير مفهوم، وجاءت اللحظة التاريخية المناسبة لتصويب الحالة، من خلال مبادرة إرحيل الغرايبة ورفاقه، ومبادرة عبد المجيد الذنيبات وفريقه، ومع ذلك واصلت الحكومة خطيئتها، وأخفقت عن التزامها بالقانون، قانون الجمعيات وقانون الأحزاب، ورخصت جمعية لا هي خيرية ولا هي حزب سياسي ؟؟ ويبدو أنها تعمدت ذلك للإيقاع بين الجماعتين، حتى يُحطبوا بعضهم بعضاً !!.

المطلوب تصويب الجماعتين، لأن يكون الترخيص لكلتيهما كحزب سياسي لا يحتاج لتأويل أو الاجتهاد أو الإمعان في التضليل بعد أن قدم الطرفان خدمة جليلة عملية في كشف خلافاتهما على مسائل وعناوين وأولويات سياسية، لا صلة لها بالدين والتدين، فالعلاقة بين الإنسان وخالقه يحددها سلوك الإنسان نفسه في تعامله مع الآخر، ولا يكشفها ولا يؤكدها أو ينفي مصداقيتها سوى العالم بما تُخفي الصدور، ولذلك لا يجوز لأي طرف سياسي أن يدعي أنه ممثل الإسلام والحريص وحده عليه، وهو مثل الشيوعيين الذين يدعون أنهم وحدهم اليسار، أو إدعاء البعثيين أنهم وحدهم يمثلون القومية العربية، أو إدعاء مؤسسة من المؤسسات الأردنية أنها ممثلة الدولة الأردنية دون غيرها من باقي المؤسسات أو أنها أكثر حرصاً على الدولة من غيرها .

حركة الإخوان المسلمين، حزب سياسي بإمتياز، مرجعيته إسلامية بإجتهاد، مثله مثل ولاية الفقيه الإيرانية، وحزب التحرير الإسلامي، وتنظيم القاعدة وحركة داعش، والعشرات من الأحزاب والتنظيمات التي تدعي أن مرجعيتها الإسلام وهذا حق لها، ولكنها ليست وحدها صاحبة الحق في تمثيل الإسلام والمسلمين، وليست وحدها مالكة الحقيقة دون غيرها، ولكنهم يجتهدون في تطبيق الإسلام والدعوة إليه، ولهذا لا يحق ولا يملك أي منهم حق الإدعاء بالإسلام وأنه الممثل الحصري له وعنه، ولذلك كان يُفترض في عملية التصويب، أو التصحيح، أو تسجيل جديد، أن يكون عنوانه ومضمونه حزب سياسي، ومرجعيته القانونية مثل سائر الأحزاب السياسية الأردنية، حتى ولو كان هناك أكثر من طرف يحمل نفس الاسم أو شبيهه، كما هو الحاصل مع حزبي البعث : أحدهما الإشتراكي والآخر تقدمي، ويحملان المضمون والاسم البعثي الواحد .

علاقة الإخوان مع القوميين واليساريين

يُخطئ قادة الإخوان المسلمين في الأردن، إذا اعتقدوا أن القوميين واليساريين، يفرحون لمشاكلهم، أو يتلذذون على ما يعصف « بالإخوان « من خلاف وانقسام وتراجع، إذ ليس بالضرورة أن مصائب قوم عند قوم فوائد، بل قد تكون مصائب أناس لدى أناس مصائب، فها هو الوضع المأساوي لدى الأشقاء السوريين والعراقيين، يعود علينا بالأسى والفقر والمتاعب، وهذا ما يحصل لدى قطاع الحزبيين الذين يقبضون على جمر الواقع وقسوته، لأن أغلبيتهم في وضع صعب لا يسر أحداً، وإن اختلفت المقدمات والظروف التي صنعت الصعوبة والتراجع، لدى أحزاب كل تيار من التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والإسلامية، فقد واجه اليساريون والقوميون الإخفاق والانحسار، ولا زالوا يدفعون أثمان نتائج الحرب الباردة 1950 – 1990، وأثمان تدمير العراق 1991 واحتلاله العام 2003، فالتراجع والانحسار لدى تيار لا يعني أنه سيعود بالخير على التيارات الأخرى، ونجاح تيار ليس بالضرورة يتطلب هزيمة تيارات منافسة أخرى، فالحركة السياسية عموماً في بلادنا ضعيفة لعوامل موضوعية خارج عن إرادتنا، وإن كنا شركاء معاً في تحمل مسؤولية الفشل والهزيمة وها هو أحد كتاب الزوايا في إحدى الصحف اليومية الأردنية يوجه نقداً لا يرحم لأحزاب التيارات الثلاثة الإسلامية والقومية واليسارية، لأنها تفتقد للديمقراطية ولا تستجيب للتطور، مع أنه شخصياً يمثل قوى الشد العكسي الذي لا تريد أي تطور للعمل الجماهيري والسياسي أسوة بالتطور الذي يتمتع به العمل النقابي، فهي ضد الشراكة وتوسيع قاعدة المشاركة، بل إن قوى الشد العكسي حريصة على بقاء معايير الوصول إلى السلطة ومؤسسات صنع القرار من البرلمان إلى الحكومة عبر المعادلة القديمة الجهوية العشائرية التي لا تستند إلى المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وتتعارض مع تصريحات رأس الدولة جلالة الملك الذي يقول بضرورة تشكيل حكومات برلمانية حزبية تعتمد على نتائج صناديق الاقتراع .

وعليه ثمة قناعة، يجب أن تكون راسخة، مفادها أن لا مصلحة للأحزاب اليسارية والقومية، في إضعاف الإخوان المسلمين، على الرغم من المرارة التاريخية الكامنة في نفوس القوميين واليساريين من سلوك الإخوان المسلمين معهم، سواء في مرحلة الأحكام العرفية 1957 حينما تعرضوا للقوميين ولليساريين في الشوارع، وحينما صوتوا في مجلس النواب على فصل النواب اليساريين والقوميين وطردهم من البرلمان في نهاية الخمسينيات .

ولاحقاً في مرحلة استعادة شعبنا لحقوقه الدستورية واستئناف الحياة البرلمانية بعد العام 1989، والذي أدى في بعض الأحيان لقيام تحالفات سياسية بين المعسكرين على خلفية معاهدة السلام، وعلى خلفية المطالبة بالإصلاحات، كان الإخوان المسلمون يعقدون الصفقات مع الدوائر الرسمية من خلف ظهر الأحزاب اليسارية والقومية، ومع ذلك، ورغم التنافس الانتخابي والسياسي والفكري، القائم والمتواصل، بين المعسكرين القومي واليساري من جهة، وبين معسكر الإخوان المسلمين من جهة أخرى، ثمة قناعة، قد تكون واقعية وصحيحة مفادها أن إضعاف حركة الإخوان المسلمين كحركة سياسية قوية لها حضورها ومصداقيتها، سيؤدي إلى إضعاف المعسكر اليساري القومي، رغم التباين والتنافس بين المعسكرين .

ما يعصف بالإخوان المسلمين لا يسر المعسكر القومي واليساري، بل قد يضعفه، ولذلك يتمنى اليساريون والقوميون رغم المرارة الكامنة في نفوسهم كما قال بعضهم، تمنوا أن يخرج الإخوان المسلمون من مأزقهم ويتصرفوا بحكمة وسعة صدر، لأنهم بكل بساطة جزء من الحركة السياسية الأردنية، بل هم في طليعتها ومصدر قوة لها، ولذلك ثمة تقدير للجناح الإصلاحي المستنير داخل حركة الإخوان المسلمين، الذي بادر في محاولة لإخراجهم من الظلمة، ومن الطرق المسدودة وفتح بوابات الأنقاذ لهم بعد سلسلة الإخفاقات التي تعرضوا لها في غزة ومصر وليبيا وسوريا وحتى اليمن، كي يحموا حضورهم ومكانتهم في الأردن، موظفين واقعية « أصحاب القرار « لعدم التعرض لهم وعدم المس بهم، وعدم نزع الشرعية عنهم كما حصل لدى بعض البلدان العربية المجاورة، فكانت مبادرتهم الإصلاحية لعلها تُسهم في خروجهم من المأزق الداخلي والوطني والقومي .

تحتاج الأحزاب اليسارية والقومية، وتتمنى أن تجد لدى شرعية قيادة المبادرة الجديدة، نهجاً جديداً، في كيفية التعامل مع الأحزاب اليسارية والقومية، لعل أغلبية القوى السياسية المعارضة تستطيع بلورة برنامج عمل مشترك يدفع بالأحزاب مجتمعة خطوة بل خطوات إلى الأمام، وتحظى بدعم والتفاف جماهيري هي في أمس الحاجة إليه، في مرحلة تتسم بالتناقض والصراع، ما بين التطور والتخلف، وما بين المعايير الديمقراطية، ومعايير الأحادية .

ليس دفاعاً عن الإخوان المسلمين

لا يستطيع أحد، نفي تورط حركة الإخوان المسلمين، بالعمل المسلح، أو المشاركة في انقلاب، أو ممارسة عمليات اغتيال، كان ذلك في أكثر من بلد عربي، وخاصة لدى البلد المؤسس، مصر أيام الملكية أواخر الأربعينيات، فقد تورطوا بسلسلة عمليات بدءاً باغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا، ولأحد القضاة الذين حاكمهم، وشاركوا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في تشكيل حركة الضباط الأحرار، لتحقيق الانقلاب العسكري في تموز 1952، ونجاح ثورة يوليو، قبل أن ينقلبوا على عبد الناصر واتهامهم له أنه سرق الثورة، وانحرف بها نحو اليسار، ونحو الفكر القومي الإشتراكي، ورداً عليه تورطوا في محاولة اغتياله في حادثة المنشية العام 1954 .

وحاولوا إسقاط نظام الرئيس حافظ الأسد، بالعمل المسلح بالسبعينيات، وها هم شركاء أساسيون في العمل المسلح المماثل في صفوف المعارضة السورية، بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وكانوا شركاء فاعلين أو صامتين، لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والمشاركة في النظام البديل الذي أوجده السفير الأميركي بريمر على أثر التدخل العسكري، والاحتلال الأمريكي للعراق .

في أعقاب ثورة الربيع العربي 2011، في تونس، وتواصلت في مصر، لتنتشر إلى باقي الأطراف العربية، لم يكن ذلك ليتم، ولم يكن ذلك ليتحقق، ولم تكن تنتصر، بدون تكامل العناصر الثلاثة التي عملت وتعاونت وأكملت حلقاتها، مع بعضها البعض، وهي :

1- مظاهرات الناس في الشوارع الذين حرضتهم وحركتهم وقادتهم مؤسسات المجتمع المدني، التي تملك برنامجاً عصرياً يقوم على الديمقراطية، والتعددية، ومشاركة المرأة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وضد الدكتاتورية والتسلط واللون، والحزب، والطائفة، والعائلة، والرجل الواحد الأوحد، ولم يكن للأحزاب دور أو تأثير أو فضل على حركة الناس وتحركاتها، فالأحزاب كانت ضعيفة ولا تزال، بسبب ما تعرضت له من قمع، أو حرمان من العمل، أو بسبب فشل مرجعيات الأحزاب اليسارية والقومية، على أثر نتائج الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية والإشتراكية والاتحاد السوفيتي العام 1990، وتدمير العراق 1991 وحصاره واحتلاله العام 2003، وإسقاط نظامه القومي .

2- تدخل العامل الدولي، الذي ترافقت تصريحاته سواء من قبل الرئيس الأميركي، أو من قبل أبرز القادة الأوروبيين مع تطور الأحداث الجارية على الأرض لدى البلدان التي اجتاحتها أحداث ثورة الربيع العربي وخاصة في تونس ومصر، ولاحقاً في ليبيا واليمن وسوريا، ولذلك شكل العامل الدولي وتصريحات القادة الأميركيين والأوروبيين، غطاء لحركة الشارع ودعماً لها، وتحريضاً على النظام، ومنعاً لاستعمال قوته لردع المتظاهرين .

3- حركة الجيش في كل من تونس رشيد عمار، ومصر محمد حسين الطنطاوي، اللذان أجبرا رئيسيهما على المغادرة، ولم يكن ذلك ليتم من قبل الجيش، لولا تحركات الشارع المناهضة للنظام، ولولا الضغط الدولي الأميركي والأوروبي اللذان شكلا مجتمعين غطاء لحركة الجيش بهدف إقالة هادئة ومتزنة وبأقل الخسائر، وبشكل سريع غير متوقع، للرئيسين زين العابدين بن علي، ومحمد حسني مبارك، ولذلك كانت العوامل الثلاثة المكملة لبعضها، حركة الشارع، الغطاء الدولي، والجيش، هي أدوات التغيير وأسباب النجاح، بصرف النظر عن نوعية النتائج، ومدى إيجابيتها أو تأثيرها السلبي .

ولكن ماذا يمكن تسمية ما جرى في مصر عقب أحداث يناير وفبراير 2011، إذا كانت انقلاباً، فثمة ما يشير لذلك، وإذا كانت ثورة فهي تحمل ما تتضمن ذلك ؟؟ .

وما هو الجديد في يونيو 2013 في مصر، عما جرى لها وعندها في يناير 2011 ؟ حركة في الشارع، وتحرك للجيش، ولكنها افتقدت للعامل الوسيط، وهو العامل الدولي، نظراً لوقوع التفاهم بين الأميركيين والإخوان المسلمين، الذي حال دون توفير الغطاء الدولي والأميركي تحديداً، لما جرى في يونيو ويوليو 2013 ضد الرئيس مرسي، والمظاهرات التي جرت ضد المرشد وحركة الإخوان المسلمين، ولذلك أشارت الوقائع إلى تماثل العوامل المحلية التي صنعت الحدثين في عامي 2011 و 2013، فإذا كانت أحداث يناير 2011 انقلاباً فجرته احتجاجات المتظاهرين ونفذه الجيش ضد الرئيس مبارك، فهذا ما حصل أيضاً في يونيو 2013 ضد الرئيس محمد مرسي، وإذا كانت أحداث 2011 ثورة في التغيير ضد مبارك، فالذي حصل أيضاً في يونيو 2013 ثورة في التغيير ضد مرسي، وإذا كان مرسي حصيلة ما جرى 2011 وتم انتخابه عبر صناديق الاقتراع، فقد كان السيسي أيضاً حصيلة ما جرى 2013 وتم انتخابه عبر صناديق الاقتراع !! .

ورغم هذه القراءة لوقائع ما جرى، فالإخوان المسلمون، لم يتورطوا بالعمليات المسلحة الإرهابية، لا ضد النظام ولا ضد مؤسساته الأمنية، وكثيراً ما شجبوا عمليات الاغتيال والتفجير ضد الجيش أو ضد مؤسسات ومواقع مدنية، ولكن التهم كانت جاهزة من قبل الإعلام بإطلاق تعبير « عمليات إخوانية « بما يشير أو يوحي أن الإخوان المسلمين هم من قام بتنفيذ هذه العمليات، رغم أن التنظيمات المتطرفة من غير الإخوان المسلمين، كانت تعلن مسؤوليتها عن هذه العمليات، وهم ينتمون علناً لتنظيمي القاعدة أو داعش، والأجهزة الأمنية الرسمية تعرف منفذي هذه العمليات وتتابعها، ولكنها تتجاهل اتهامات وسائل الإعلام للإخوان المسلمين على أنها من تقف وراء هذه العمليات، أو ترحب بها، أو تشكل غطاء لها، مع أن الإخوان المسلمين، هم من المتضررين من نتائج هذه العمليات الإرهابية، لأنها حرمتهم من حق العمل العلني، وأفقدتهم رئاسة الجمهورية، وشلحتهم الأغلبية في البرلمان، ووفرت غطاء جماهيرياً للبطش بهم، دون أن يجدوا أي تعاطف شعبي معهم .

تـنظيمـات إسـلاميـة عـابـرة للحـدود – الحلقة العاشرة كتب حمادة فراعنة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا