الرئيسيةمختاراتمقالاتوعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح2 كتب بكر أبو بكر

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح2 كتب بكر أبو بكر

تحدثنا في الحلقة الاولى عن الدعوة المتحولة الى أيديولوجية، وعن اختلاف الفكرة الاولى عن اللاحقة ثم عرجنا على اليقين وثوب القداسة والشمولية لنصل لمواصفات الفكرة اليقينية كالتالي

المواصفات الثلاثة للفكرة اليقينية

إن الفكرة النابتة في الوعي الأيديولوجي أي ضمن عقائدية منظومة الأفكار التي يؤمن الشخص (أو التنظيم) بها بعمق، والتي تشكلت لاحقا على صدور الفكرة الأولى أو الرسالة، إن كان لها أن تنقسم فإنها تأخذ مستويين المستوى الأول هو المستوى الفكراني المطلق اليقيني، والآخر هو مستوى الفكرة النسبية

في منهج التفكير المطلق (الفكراني أو الأيديولوجي) 3 مواصفات هي:

1- أنه فكر قطعي بات بمعنى أن الآراء أو الأفكار الواردة فيه أ-ثابتة لا تتغير وب-مطلقة غير نسبية وج-مغلقة على ذاتها ود-مقدسة لا تحتمل العقل[1] وهـ-مغلّفة بالحُرمة لا تحتمل النقض أو المس بها، (والفكر القطعي كصفار البيضة ممثلا للفكرة الأولى وكبياضها ممثلا للفكرة المؤدلجة، فكأنهما معا واحد وبالمواصفات الخمسة)

2- هي أفكار مكتفية بذاتها، بمعنى إغلاق منهج التفكير عما سواها كليا فلا شأن لنا بما سواها ، لأن لها أي للأيديولوجية رأي أوتصورات ناشئة عنها متعلقة بالمواضيع المختلفة لا تتغير مع المتغيرات،بل وتأخذ منهجا وأسلوبا ومصطلحات وشعارات متمايزة عما سواها من فكرانيات.(والاكتفاء الذاتي هنا كما هو تكامل البياض والصفار بالغلاف الرقيق تحت قشرة البيضة الصلبة).

3- وهي أفكار طاردة للآخر، لأنها مستبدة ولأنها محمية ومحصّنة بصلابة فلا تقبل الآخر بل تطرده من نعيمها، فما سواها زبَد، حيث تعتبر معتنقي من سواها ضمن فسطاط (معسكر) الباطل فهو أي الآخر مرفوض كليا، والرفض مؤسس للمفاصلة والعداء والحرب والتكفير والقتل.(هو كالغلاف الصلب الذي يحمي البيضة من الكسر فيمنع الأنواء عن الإضرار بها، إذ يمنع الاختلاط قطعيا

الفكرة الإيديولوجية هي مطلق وذات طبيعة شمولية لا تقبل الرأي من خارجها إلا ما توافق مع قطعيات فكرتها الأساسية، لذا لا تفهم الخلاف حتى لو كان بالرأي النسبي والنظرة المتغيرة إلا في إطار مفردات التفكير الايديولوجي أو منهج الفهم أو التفسير النابع منها، وعليه يأتي الحكم ضمن معادلة ثنائية التضاد: الأبيض والأسود فقط أي أما خير أو شر باطل أو حق، فسطاط الحق والخير أو فسطاط (معسكر) الباطل والشر.

إن موقع الخلاف داخل عقل المشبع بالأفكار الأيديولوجية المتطرفة (نموذجهم اليوم الاسلامويين المتطرفين في منطقتنا، وأمثالهم من متطرفي المسيحانية في كينيا وامريكا، وعند متطرفي اليهود، وفي أوربا، وعند المتطرفين العلمانيين) هو خلاف أن أجيز له أن يكون فهو لا يكون إلا في حده الأدنى وفيما لا يدخل مطلقا بالقطعيات المتخصص بها فقط الفقهاء أو العلماء عندهم ،وعليه يصبح عقل التابع مشبعا بالمنطق الفكراني الايديولوجي فقط من حيث هو (قطعي ومكتفي بذاته مطلق وطارد للآخر) ولا يستطيع أن يتقبل الخلاف مع الآخر

الخلاف بين اليقيني والموقفي

إن عملية تبني الفكرة أو الإيديولوجية أو الدعوة لها في المنظور المنفتح برأينا مستويين كما أشرنا بشكل آخر: الأول هو المستوى القطعي الثابت لدى كل شخص أو جماعة، والمستوى الثاني هو المستوى الظني عنده.

حيث الأول أي المستوى الثابت يشكل حصيلة ما يدين به الشخص مع ذاته (مطلق إيمانه بما يؤمن من عقائد أو أفكار) أوجماعته، ومثل هذا الاعتقاد أو الفكر هو ما يجب ألا يُلزم بالضرورة الأشخاص أوالجماعات الأخرى.

الفكر أو الإيمان -مهما كان- يجب أن يُلزم صاحبه بأخلاق، وقيم ومنها إن يتحلى بالفهم الصحيح لطبيعة العلاقات بين الأفراد والجماعات المختلفة في داخل المجتمع أو خارجه الذي يقول أن القانون الحاكم في العلاقة بين الأفراد أوالجماعات هو قانون الحرية من حيث هي أصل، والتعارف لا الاستبداد والتباغض وتقبل الآخر لا الإنكار للآخر.

ومن جهة ثانية يجب النظر للخلاف في المواقف (ما يمكن أن نسميه الخلاف الموقفي) (الموقف: هو رأي أو جهة نظر أو تصرف يحدث أو يتكون نتيجة تفاعل مع حدث ما في زمن ومكان) دوما على انه خلاف طبيعي بل ومستحب ودلالة المرونة والتنوع وضمن معادلة أن النقد يشدّ باتجاه تحقيق التطور والإبداع ، وليس النظر إلى هذا الخلاف في المواقف على أنه ضمن مستوى (خلاف يقيني) ، بمعنى لا يجب أن يتم الحكم على خلاف الموقف (النسبي والمتغير والمستوعب للآخر) بنفس منطق التعامل مع الخلاف الإيديولوجي/اليقيني.

[1] قال ابن تيمية : “يقال إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دلّ على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول (ص)، […]”. بينما يقول الغمام أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين ” لا غنى بالعقل عن السماع، ولا غنى بالسماع عن العقل. فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل، والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور. فإياك أن تكون من أحد الفريقين، وكن جامعا بين الأصليين…) (الإحياء، 3/19. ومثله في: الاقتصاد، ص3- 4)

وعاء الرسول ووعاء الآلهة : نظرات في فكر الاسلامويين الحلقة 1 كتب بكر ابو بكر

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا