تهدئة في غزة وتصعيد في الضفة كتب حافظ البرغوثي

يقول الكاتب ان الأمور تتجه في «حماس» إلى سيطرة التيار المعتدل بزعامة مشعل الذي يراهن على نجاح المساعي القطرية التركية في إبرام هدنة طويلة خاصة بعد تحسن العلاقات بين تركيا و«إسرائيل» مؤخراً.

نقل موسى أبو مرزوق إلى قيادة حركة «حماس» في الدوحة تسجيلاً مصوراً لنقاشات أجرتها قيادة «حماس» في غزة حول مجمل القضايا التي أرادت قيادة غزة إسماعها للقيادة السياسية المقيمة في الدوحة، وجاء تسجيل النقاش حتى لا يتهم أبو مرزوق بعدم نقل الموقف بأمانة، واتخذ هو شخصياً موقفاً محايداً مثله مثل إسماعيل هنية الذي لا يريد أن يكون طرفًا بين تيارين، الأول تيار خالد مشعل المرتبط بتركيا والدوحة والثاني تيار الجناح العسكري المتصلب الذي يرفض موقف مشعل المتماثل مع موقف الدوحة وأنقرة، وإن لم يجاهر أبو مرزوق بموقفه إلا أنه يعارض التبعية لتركيا ويحبذ تحسين العلاقات مع القاهرة.

في النقاشات التي قاطعها رجل إيران عماد العلمي شن الجناح العسكري ل «حماس» حملة انتقادات ضد سياسة مشعل واتهمه بإفقار حركة «حماس» لقطع المساعدات العسكرية والمالية الإيرانية، وتذمر أيضًا محمود الزهار من نصائح القيادة السياسية بالصبر على شح المال، وأشار إلى السخط الشعبي على سياسة «حماس» التي فرضت سلسلة من الضرائب على الناس لتوفير أموال مصروفاتها.

الموضوع الثاني كان المتعلق بالاتصالات حول ترتيب هدنة طويلة مع «إسرائيل» وهي اتصالات دخلت مرحلة الاتصال المباشر بعدما كانت تتم بطريقة غير مباشرة عن طريق وسيط قطري ومبعوث أممي وبعض الأطراف الأوروبية مقابل رفع الحصار وبحث إمكانية إقامة ميناء عائم بين قبرص التركية وغزة برقابة دولية، وقد أبلغت «إسرائيل» كلاً من الأردن ومصر بالموضوع وأبلغت السلطة الفلسطينية أيضاً، لكن إبلاغ السلطة كان على شكل تهديد، فإما أن تتفاهموا مع «حماس» وتشاركوا في الجهود لتهدئة الوضع في غزة وإما أن تتولى «إسرائيل» ذلك أحاديًا، ويكون هناك في غزة سلطة ثانية.

مصر بدورها لم ترد لكنها سارعت إلى فتح معبر رفح لأيام متتالية وسمحت بإدخال الأسمنت المصري بكميات كبيرة لإعادة الإعمار، وردت الحكومة الفلسطينية بالقول وبالأرقام إن عملية إعادة الإعمار تسير بسرعة رغم عدم توفر إلا بعض المال من المانحين وإن أكثر من نصف المنازل المدمرة تم ترميمها وإنه لا يوجد سوى 250 عائلة بلا مأوى. وهي أرقام رفضتها «حماس»، لكن المؤكد أن عملية الإعمار تسير وإن كانت بوتيرة متذبذبة ، وقد علقت صحفية بسخرية على طلب فضائية منها أن ترتب لها إفطارًا لعائلة على سطح منزلها المدمر لتصويرها فقالت : إن جميع العائلات دبرت لها مأوى إما بالإيجار وإما الترميم، فأصرت الفضائية وعرضت مبلغاً من المال لأي عائلة تنفذ مشهد الإفطار بين الأنقاض وتم لها ذلك تمثيليًا.

الرئيس الفلسطيني الذي تلقى تهديدات «إسرائيلية» متلاحقة أهمها أن دبابات «إسرائيل» ستنتشر في الضفة خلال 24 ساعة إذا لم يغير مساراته السياسية بالعودة إلى مجلس الأمن وتقديم ملفات لمحكمة جرائم الحرب ودعم الحملة الدولية لمقاطعة «إسرائيل» اقتصادياً وعمالياً ونقابياً وأكاديمياً سارع إلى محاولة إقامة حكومة وحدة وطنية تضم كل الفصائل بما فيها «حماس»، لكن «حماس» عادت إلى موقفها القديم وهو عدم الاعتراف بشروط الرباعية الدولية أو بالاتفاقات بين السلطة و«إسرائيل» وهو ما يعني أن الحكومة ستخضع لمقاطعة دولية ما يعني أن حكومة الوحدة لن تشكل، واكتفى أبو مازن بمحاولة تعديل حكومة الوفاق ولم يتحقق بعد ما إذا كانت حكومة التوافق المعدلة ستحظى بموافقة «حماس» التي أعلنت مسبقاً رفضها لشخصية رئيسها الدكتور رامي الحمد الله.

ويبدو أن الأمور تتجه نحو التعقيد بين السلطة الفلسطينية و«حماس» حيث عاد التراشق الإعلامي بين الطرفين مع تصعيد الاحتلال لسياسة القمع في الضفة حيث أعلن استشهاد شابين منذ بداية رمضان وقتل مستوطن وجرح آخرون. وتزامن هذا مع كشف السلطة عن شبكات لتهريب الأموال من غزة للضفة تلتها حملة اعتقالات لعناصر من «حماس» و«الجهاد» بتهمة حيازة أسلحة، حيث تتهم السلطة «حماس» بحماية التهدئة في غزة والعمل على تصعيد الوضع في الضفة.

فالأمور تبدو كأنها تسير نحو تعميق الانقسام وليس لإنهائه، بينما تتجه الأمور في «حماس» إلى سيطرة التيار المعتدل بزعامة مشعل الذي يراهن على نجاح المساعي القطرية التركية في إبرام هدنة طويلة خاصة بعد تحسن العلاقات بين تركيا و«إسرائيل» مؤخراً، وبعد كسر الجمود في علاقات «حماس» مع دول خليجية، لكن الموقف المصري يبقى له القول الفصل وهذا ما تدركه الحكومة «الإسرائيلية» التي أوفدت مبعوثها إسحق مولخو إلى القاهرة قبل فترة لمعرفة رأي مصر فيما يجري بين «إسرائيل» و«حماس» وكذلك رغبة مصر في ضخ المزيد من القوات إلى سيناء لمواجهة الإرهاب أي تعديل ملحق كامب ديفيد. ويعتقد أن العملية الإرهابية الأخيرة في الشيخ زويد أعادت العلاقات بين مصر و«حماس» إلى الحضيض مجدداً بعد مرحلة قصيرة من الاتصالات بين الطرفين. فالضبابية ما زالت تخيم على كل الأوضاع، ولا يمكن بناء توقعات في الوضع العربي الراهن.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا