الرئيسيةمختاراتمقالاتياسر عرفات.. الجائزة الذهبية كتب موفق مطر

ياسر عرفات.. الجائزة الذهبية كتب موفق مطر

قبل حوالي اربعة واربعين عاما زار ابو عمار معسكر حركة فتح بمنطقة مصياف غرب مدينة حماه بسوريا، فكان ذلك اليوم – الرابع من آب من عام 1971 – مميزا لشاب مثلي يحظى بأداء التحية للقائد العام ومصافحته، أثناء مهرجان تخريج دورة الفدائيين بحضور الآلاف من الفلسطينيين من مخيم العائدين بالمدينة والسوريين (الحمويين) الذين يشهد لهم التاريخ بحسن استقبال زعماء الأمة المميزين فأهل المدينة يشهد لهم سجل تاريخها انهم رفعوا الزعيم جمال عبد الناصر على اكتافهم بسيارته، وشهد ياسر عرفات بخطابه لوطنية أهلها في مهرجان تخريج فوج الفدائيين عندما قال: “انها القاعدة الثانية لفتح”.. لم يذكر اسم القاعدة الأولى لكن سجل الشهداء الفتحاويين السوريين من أبناء مدينة ابي الفداء كان احدى علامات شهادة ابي عمار التاريخية.

في اليوم التالي ذهبت لمدرستي الثانوية (ابي الفداء) متباهيا لكوني ارتدي (تي شيرت) رياضة أبيض فريد من نوعه، فابنة عمي طرزت بناء على طلبي شعار العاصفة من ناحية الصدر بالخيطان الملونة، فكنت أول من لبس قميصا مطروزا بشعار العاصفة كما اعتقد.. وصلت متأخرا حوالي عشرة دقائق عن بداية درس التربية الدينية فوقفت عند باب الفصل لأستاذن معلمي الدخول، فسألني اثر ابتسامة بدت على محياه: “هل قابلت أبي عمار في مصياف بالأمس”؟ فأجبت: نعم، قال: “هل صافحته؟” فأجبت: نعم، فقال سأسمح لك بالدخول لأمرين: لنشم منك رائحة أبي عمار، و” كرمال شعار فتح”.

كانت ليلة متفجرة من يوم دموي من العام 1983، يومها جنّت فيها راجمات المنشقين وحلفائهم المحميين بمدفعية جيش الأسد الملتهبة بطرابلس شمال لبنان، الصامتة الصدئة على جبهة الجولان، عند الفجر خرج الختيار(أبو عمار) من مكتبه مشمرا عن ساعدية وساقيه متهيئا للوضوء، فلمحني وبضعة مرافقيه في المكتب المندهشين من صور التقطتها لأفراد من قبائل “الهدندوة” بشمال السودان حيث كان معسكر القوات الفلسطينية “قوات قادسية بيروت” والقرية السودانية الصغيرة (سنكات) حيث كانت عائلات لمقاتلين الفلسطينيين تقيم، فطلب منا رؤية الصور، ناولته اياها وأرفقتها بقولي: “هذه هي البيئة الصعبة التي نحياها يا أخ أبو عمار”، وقصدت من قولي تعريفه بصعوبة التعايش مع الطبيعة وأهل المنطقة المجاورين فهم رغم طيبتهم الا انهم يعيشون حياة بدائية.. فصدمني القائد في تلك للحظة من الفجر عندما رد علي قائلا: “ما تنساش يا ابني ان لهم وطن”.

قبل هذا الدرس البليغ، بالليلة السابقة كان مقاتلون اصدقاء من قوات قادسية بيروت القادمين الى طرابلس لبنان من معسكرهم بالسودان قد طلبوا مني التقاط صورة للذكرى، وفيما أنا اتهيأ لأخذ زاوية مناسبة شعرت بقبضة على أعلى عنقي وبعبارة: “يالله كفاي.. عندنا شغل” فالتفت وأنا أردد: “بالله لحظة.. لحظة” ظنا مني ان احد المقاتلين الأصدقاء يمازحني بتعطيل التقاط الصورة، لكنه كان القائد ياسر عرفات الذي كان يتفقد جاهزية قواته، وعند الفجر كان القائد على رأس مجموعات المقاتلين الذين استعادوا مخيم البداوي وصلى في الجامع الذي أقسم ان يصلي فيه.

عندما اعطاني الأخ محمود العالول (قائد عملية أسر الجنود الستة في جبل لبنان) فيلم النيجاتيف الأسود والأبيض لاظهاره وطبعه لم اكن أعلم اني أحمل بين يدي كنز عظيم، فكل ما ابلغني ان الشريط مهم جدا، لأكتشف بعد تظهير الفيلم وطباعة الصور أنها أطياف الجنود الاسرائيليين الستة الأسرى الذين قرر ابو عمار مبادلتهم بآلاف الفلسطينيين الأسرى في معتقل انصار، يومها رفع القائد ياسر عرفات صور الأسرى أمام عدسات الصحفيين فيما قطرات الماء ما زالت تنقط من زواياها، فالوقت لم يسعفنا لتجفيفها. ربما يعلم الآن صديقي الأرمني “جاكوب” اني طبعت أهم صور فوتغرافيه في الثمانينيات “بدارك رووم” الاستديو رالذي يملكه وسط مدينة، طرابلس شمال لبنان، فهو قد أخلى لي المكان عندما طلبت اظهار الفيلم وطبع الصور بنفسي.

ربما يعرف الجمهور الفلسطيني الصورة الفوتغرافيه (البوستر) التي تجمع القائدين أبو عمار وأبو جهاد، التي يظهران فيها بقامتيهما وخطويتهما وتعابير وجهيهما المشتركة وكأنهما توأما الفكرة والهدف، هذه الصورة التي ما اظهرتها للعلن الا بعد استشهاد القائد أبو جهاد، فقدمتها هدية لمناسبة عيد ميلاده بحفل اقامه الأخ أبو العبد خطاب– رحمه الله– قائد الساحة في اليمن الجنوبي حينها وقائد معسكر الأشبال والزهرات بعدن حينها 1989.

فك ياسر عرفات العقدة الوردية وفتح الصورة فاغرورق الدمع بعينيه، وقرأ ما كتبت له على زرقة السماء الواصلة بين روحه وروح أبي جهاد: ” سنبقى نحبك ما دامت فلسطين في قلبك” فلفها متأثرا وسلمها لأحد مرافقيه، وفي المساء وعند استقباله لنا في الاستراحة الخاصة بعدن وعندما صافحته تذكر”الصورة الرسالة” وراح يتحدث للاخوة القادة أعضاء اللجنة المركزية واعضاء المجلس الثوري والكوادر الفتحاويين عن الصورة واعجابه بها فقال لهم: “موفق عامل صورة لي مع الله يرحمه انما ايه.. عظيمة ” فقلت له فيما ممسك بيدي بحرارة: “استأذنك بطبع هذه الصورة لتدخل كل بيت فلسطيني” وفعلا كان التاريخ منصفا، فقد دخلت صورة أبي جهاد وأبي عمار أرض الوطن معا افواج المقاتلين العائدين لأرض الوطن في العام 1994. فنلت جائزة هي أثمن من ذهبية وأعظم من دولية.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا