فلسطين في خطر!

بقلم: د. ناجي صادق شراب

توصف القضية الفلسطينية بالعديد من التوصيفات: تراجع، انحدار، كارثة، نكبة، انهيار، واخيرا فلسطين في خطر، والخطر في هذه المرحلة قد يختلف مفهومه وتوصيفه عن الدلالة اللغوية التي تتضمنها كلمة خطر.

الخطر صفة لازمت كل مراحل القضية منذ نشأتها، بل ومنذ نشأة الحركة الصهيونية، ووضع فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطانية، وقبلها وعد بلفور، وتقسيمات سايكس بيكو. الخطر اليوم يحمل معنى الذوبان والانصهار الكامل للقضية الفلسطينية، او بعبارة أخرى معنى التخلص الكامل من قضية تسببت بوجع سياسي مزمن إقليمي ودولي. ولعل اول مظاهر الخطر مظهران: الأول إسرائيليا من خلال محاولة شرعنة الاحتلال ، وتوسيع سياسات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية لتحول دون قيام الدولة الفلسطينية ، ومن خلال التعامل مع الفلسطينيين كعدد سكاني، وبفرض رؤيتها للسلام الذي يقوم على فكرة الأمن ، والتي تعطي لإسرائيل الحق من وجهة نظرها بالتصرف المكاني والبشري الفلسطيني كما تريد. وما يؤكد على هذه الرؤية إفشال خيار المفاوضات بفرض مزيد من التنازلات على الفلسطينيين.

هذا هو الخطر الحقيقي الذي يواجه القضية الفلسطينية. وأما المظهر الثاني للخطر دوليا: فأحد مصادر قوة القضية الفلسطينية هو الشرعية الدولية وما صدر من قرارات دولية من الأمم المتحدة ومن كافة منظماتها ومؤسساتها الدولية ،والتي في مجملها تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي، وقيام دولته المستقلة وببطلان كل السياسات التهويدية والاستيطانية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وبالحفاظ على استمرارية قضية اللاجئين، والقرار رقم 194 الخاص بهم. وقوتها كقضية أمن واستقرار وسلام عالمي، هذه القوة الشرعية، والأولوية لم تعد قائمة على المستوى الدولي، وتسيطر مظاهر التراجع الدولي في العديد من المواقف أولها العجز الدولي عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، التي بقيت مجرد توصيات بدون قوة تنفيذية.

والفشل الواضح للجنة الرباعية في تنفيذ الأهداف التى شكلت من أجلها واهمها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية، ولذلك ليس مستغربا تقرير اللجنة الأخير الذي أبدى تحيزا واضحا لإسرائيل، وخصوصا فيما يتعلق بالمستوطنات التي لم ير فيها التقرير انتهاكا للشرعية الدولية وقراراتها.

ويعزي هذا التراجع لأسباب كثيرة أهمها الموقف الأمريكي الذي يحتكر العملية التفاوضية بما يضمن توفير إطار دولي لسياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ، وتسخير الفيتو الأمريكي لحماية إسرائيل، وبروز العديد من القضايا الملحة كقضية الإرهاب وتمدده في العديد من الدول الأوروبية، وسيطرة مشاكل اللاجئين السوريين والعراقيين على حساب القضية ، والتغير في التحالفات الدولية، وبروز تحالفات جديدة كعودة العلاقات الروسية الإسرائيلية ، والعلاقات مع تركيا، وكل هذا على حساب المصالح العربية ، والقضية الفلسطينية ، فلا يمكن تجاهل نجاح إسرائيل في تعميق تحالفاتها الدولية وتنويعاتها، ونجاحها في استعادة علاقاتها الأفريقية والأسيوية . وإلى جانب ذلك لا يمكن تجاهل التراجع العربي وهو من أخطر مظاهر تراجع القضية الفلسطينية، وأبرز مظاهر التراجع العربي أن إسرائيل لم تعد الدولة العدو الأولى، وانشغال الدول العربية في قضاياها الداخلية في أعقاب ثورات التحول العربية، وما نجم عنها من بروز للقوى والحركات الإسلامية المتشددة ، والذي أدخل عددا من الدول العربية المحورية في دوامة العنف والإرهاب، ومما زاد الأمور تعقيدا التراجع والانهيار الذي تتعرض له الدولة العربية المركزية ، وما ترتب عليها من ضعف للنظام الإقليمي العربي، وزيادة تدخل الدول الإقليمية كإيران وتركيا في الشأن العربي، والأمثلة كثيرة كما في اليمن والعراق ولبنان وسوريا.

كل هذه المظاهر على المستوى الإقليمي والدولي لها دلالات خطيرة تتلخص في فقدان القضية الفلسطينية لمكوناتها وأبعادها العربية الدولية لصالح إسرائيل. ويبقى التساؤل عن مصدر هذا الخطر الحقيقي الذي تعاني منه القضية الفلسطينية؟ المصدر الحقيقي للخطر الذي يتهدد القضية الفلسطينية هو تراجع وضعف الموقف الفلسطيني على اعتبار ان المتغير الفلسطيني متغيرا رئيسا في ادارة القضية وتسويتها، فلم يعد الفلسطينيون يشكلون متغيرا رئيسا، له حضوره وتأثيره على المتغيرات الأخرى العربية والدولية والإسرائيلية، بل تحول المتغير تابع لها، تؤثر في قرارته وسياساته.

فالانقسام السياسي الذي تحول لحالة بنيوية متجذرة سلب القضية اهميتها وقوتها، والفشل في بناء نظام سياسي توافقي ساهم في ضعف القرار الفلسطيني، وضعف مكونات النظام السياسي وخصوصا البنية الاجتماعية والاقتصادية.

ولعل الخطر الذي تعاني منه الحالة السياسية الفلسطينية غياب المرجعية السياسية او ما يمكن تسميته بإطار الشرعية السياسية الذي يحكم القرار والسياسة الفلسطينية، وغياب الرؤية الوطنية التوافقية. هذا هو المصدر الحقيقي للخطر الذي يواجه القضية الفلسطينية. ولقد اخذ الخطر صورا كثيرة واكبت تطور القضية الفلسطينية تمثل في الهجرة القسرية والشتات الفلسطيني عام 1948، وفي هزيمة 1967، واحتلال إسرائيل لكل فلسطين، وقبلها في حرب 1948 وضم إسرائيل لما يزيد عن عشرين في المائة من ارض فلسطين التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية وفقا لقرار181 الأممي، وفي مصادرة القدس واعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل، وفي المستوطنات، واما الخطر الحقيقي الأن فهو بالتخلص من القضية الفلسطينية وانصهارها او ذوبانها في كينونات سياسية إقليمية، واستحالة قيام الدولة الفلسطينية، وتحول القضية إلى مجرد قضية إنسانية.

رغم كل ذلك ما زالت القضية تحتفظ بقدر من أهميتها كقضية دولية ملحة إلا إن هذا يتوقف على تحرر المتغير الفلسطيني من القيود والتدخلات الإقليمية والدولية، وفي بناء منظومة سياسية فلسطينية قوية ، وفي عودة العمق العربي والدولي للقضية الفلسطينية.

drnagish@gmail.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا