الرئيسيةمختاراتمقالاتالماء وعِطر الفدائي ... من تجربتي 3 من 3

الماء وعِطر الفدائي … من تجربتي 3 من 3

بقلم: محمد قاروط أبو رحمه

رائحة الجسد عِطر القلوب

تفاجأ، ثم رد عليّ وقال: كنت حريصا على بناء علاقات اجتماعية بين الزملاء في العمل، وكنا نشارك بعضنا المناسبات ونتوزع التكلفة.
وكانت زميلتنا “المدير الإداري” تهتم بمواعيد عيد ميلاد الزملاء والعلاقات العامة تهتم بالباقي.
وأكمل: الزميلات عامة اهتممن بإخراج أي مناسبة بشكل رائع جميل.
استمر في الحديث، وقال: على مدى ثماني سنوات لم يكن عندي مناسبة سوى يوم مولدي السعيد الشقي، فكنا نحتفل مثل باقي الزملاء بهذه المناسبة.
في السنة الثامنة اتفق الزملاء على أن يقدموا لي هدية إضافية فوق المستوى المعتاد لتعويضي عن اشتراكي معهم بمناسبات عدة لكل منهم.
وأكمل: اتفقوا على شراء زجاجة عطر وعهدوا لمديرة مكتبي، شرائها، كونها الأقرب لإمكانية التعرف على عطري المفضل، فقالت لهم: إنه لا يستخدم العطر، فأذنوا لها بالتصرف.
واستمر في الحديث قائلًا: في الحفل استلمت الهدية، وتركتها مغلفة على طاولة الاحتفال، وبعد انتهاء مراسم الاحتفال عدت إلى مكتبي ناسيا الهدية، وها أنت تهاتفني، أين الفساد في ذلك؟
فضحكت.
سمعته يشكر فسألته: تشكر من؟
قال: جاءت بزجاجة العطر، فشكرتها.
قلت له استأذنها لإجراء حوار معها بواسطتك، وافقت، فكان هذا الحوار.
صديقي كان ينقل الحديث بيننا.
هل أنتِ من اختارها؟
قالت: أنا، صحيح
قلت: من هو الشخص الذي ترغبين بتذكره عندما تشمّي رائحة هذا العطر على مديرك؟
قال زميلي انسحبت السيدة، فندمت على سؤالي.
تعلمت من هذا أن بعض الأسئلة الشخصية الحدسية أو الاستنتاجية يجب أن تصاغ بطريقة لا تؤذي مشاعر وخصوصيات الآخرين.
أخذت سكرتيرة صديقي إجازة ثلاثة أيام كما قال.
رن هاتفي وكان المتصل زميلي، وكان صوته مرتبكاً: ها هي أمامي تهديك التحية، وهذه المكالمة معك بناء على طلبها.
طلبت منه أن يعتذر لها نيابة عني ثلاث مرات
توقف الحديث… وإذا بصوت سيدة حزينة مرتبكة
قالت (وكأنها تجيب عن سؤالي المحرج السابق): عطرُهُ يذكرني به! (وقصدت تتذكر زوجها)
أضافت: ومنذ تزوجت وأنا أشتري العطر لزوجي، فما اشتريت لزوجي من نفس العطر أبداً، ساعدني أرجوك، أريد أن انخرط أكثر مع زوجي وأسرتي.
– لا عليك سأفعل.
في المساء التقيت زميلي فكتبت له خطة تفصيلية
رد على بعد فترة برقعة كتب فيها: نفذت خطتك وهذه هي تفاصيل التنفيذ:
بناء على طلبي فتحت أختنا زجاجة العطر ورشتني بها، فتورّد وجهها.
في اليوم الثاني طلبت منها أن تأخذ الزجاجة من قارورة المكتب وترش العطر، وهكذا لمدة أسبوع، وكل يوم تتورّد أكثر.
في الأسبوع الثاني طلبت منها أن ترش موظف باسمه بالعطر ففعلت، كنت إذا غابت أتسلل خلفها فتكون في الغرفة المعطرة، وبعد أسبوع اختارت أن ترش موظفا آخر وهكذا حتى فرغت زجاجة العطر.
كتب زميلي: إنها تسبق زوجها إلى البيت.
فطلبت منها أن تعانق زوجها قبل أن يبدل ثيابه، وتحاول أن تشغله عن أخذ حمام قبل النوم، وتشم رائحته.
أضاف صديقي: دربتها على قول الكلام الجميل، لقد كانت تخجل!
كنت أقول لها: هذه تعليمات ممّن طلبت مساعدته، ثم أصيح بوجهها، هذا زوجك.
بعد ثلاثة أشهر أعطيتها نقودًا لشراء العطر الذي اشترته أول مرة.
فقالت: لا أبدل رائحة طُلْت وجسد زوجي برائحة كل العطور.
كتب زميلي: دعني أقول إنه تبدل كيانها مع زوجها، فأصبحت علاقاتهم أفضل، وأصبحت أجمل حتى زارني زوجها مودعًا معها لانتهاء فترة تدريبها، فشكرني على تعليم زوجته كيف تهتم به؟
وقال: علمني كيف اهتم بها أكثر.
قلت له: ما شكت أبدًا من أي تصرف منك.
كانت هي تبحث عن تحسين مشاعرها وتصرفاتها من أجلك.
أكنت متعطرًا وفي ذلك جمال، أم لم تكن.
التقيته فقلت لزميلي وصديقي.. باسمًا:
لماذا نخجل من البوح بمشاعرنا لمن نحترمهم أو نحبهم أو نهتم بهم؟.
لماذا نبخل على بناتنا وأبنائنا ونستحيي من تعليمهم الكلام الجميل؟
والفعل الجميل والتجمل بالثياب، والروائح الجميلة… أو بالتقبل لهم برائحة أجسادهم.
الكلام الجميل ليس عيبًا، الإشباع الوجداني لأطفالنا زادهم المهم في مواجهة أخطائهم وإخفاقاتهم وعدم الغرور من إنجازاتهم.
الماء في جسم الإنسان يساوي 72 % من وزنه، والماء له ذاكرة وطاقة ويتأثر بمشاعر الإنسان، فالكلام الجميل يزيد الطاقة الإيجابية طاقة الحب والسعادة في 72 % من جسم الإنسان، والتي هي المسئولة عن تغذية باقي جسم الإنسان، بالطاقة والغذاء.
الكلام الجميل مثل المطر يحيي اليابس ويفتت الصخر.
رائحة عرق الأحباب وأجسادهم، وشذاهما لا تنسى، وتحفظ الذكرى والذاكرة.
ورائحة الفواكه والأزهار والطبيعة والأحباب ذات شذا محبب.
رائحة دفء صدر الوالدين أزكي من عطور الدنيا.
رائحة جسد العشاق الطبيعية، والعطور الصناعية قيّمة لا تثمن أصلا.
رائحة عناق الأخوات والأخوة تبقى قبل أن يستقلوا بأنفسهم، والأصدقاء كنز قيم.
رائحة ودفء أحضان أزواجكم وزكاة طُلْتهمْ الباسمة، وعطورهم المحببة، وزكاة أنفاسهم وكلماتهم ولمساتهم تجلب لكم حياة سعيدة.
(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذٰلَك فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦ المطففين﴾)
لكن لتعلموا مع ذلك أن رائحة أقدام الفدائيين المتعبة، وعرقهم ووهج أجسامهم وأنفاسهم، وعرق وَطَلَتْ زملاء السجن والسفر والغربة في الذاكرة تبقى ولا تموت أبدا… لأنها بالرفقة والنضالية والمحبة انغمست.
حسّنوا كلامكم وطعامكم لتصبح أنفاسكم أطيب، وتعطّروا بالماء والعطر والكلمة والأزهار فالحياة تحب الجمال.
أسرعوا فالحياة تتسرب منا كما يتسرب الماء من بين أصابعنا.

للاطلاع على الماء وعِطر الفدائي … من تجربتي 2 من 3

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا