الرئيسيةمتفرقاتكتابفي كتابيه "في ثنايا السيرة"، و"إنك لعلى خلق عظيم"

في كتابيه “في ثنايا السيرة”، و”إنك لعلى خلق عظيم”

الكاتب محمد نصار يروي سيرة رسول الرحمة والأخلاق

الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

يأخذنا الكاتب الروائي والقاص الفلسطيني محمد نصار في رحلة إيمانية بعيداً عن الخيال وفنتازيا الرواية، لنقف معه على رواية من نوع جديد تروي سيرة حياة رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بكل تجلياتها الحقيقية والتاريخية والتوثيقية، لنكون شهداء على عظمة رسولنا الكريم، بعيداً عن كل ما يمارس باسمه في زماننا وهو بعيد عنه بعد الثرى عن الثريا.
يقول: “ترددت كثيراً قبل الشروع في هذا الكتاب، وأن الخوف تغشاني مرات عديدة، فمنعني من البدء فيه، وجعلني أؤجل الفكرة مرة تلو أخرى”. هذا ما يقوله الكاتب محمد نصار حينما شرع في خوض تجربة الكتابة عن سيرة سيد الخلق، فقد كان سؤاله لنفسه ماذا سيضيف لما كتبه الأولون في سيرته. ولكنه كتب “في ثنايا السيرة” كما كتب قبله طه حسين “على هامش السيرة”، لأن الأجيال الجديدة من حقها أن تعرف سيرة نبيها بعيداً عن التعقيدات والشواهد والشروحات والتفسيرات. فجاء الكتاب في 256 صفحة من الحجم المتوسط، ويتوزع على 35 عنواناً تجمل سيرة رسولنا الكريم من ميلاده وحتى حجة الوداع وتنفيذ وصيته بسرية أسامة بن زيد. من منشورات مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع، غزة 2022.
إن سيرة رسولنا الكريم كتبت بعشرات الكتب وقد جمع الكاتب محمد نصار بعضها كمراجع لكتابه في خمسة عشر كتاباً من كتب الأولين، ولكنه تجاوزها في منهجية الكتابة ولم يتجاوزها في جوهر الموضوع، يقول: “خلال عرض هذا الكتاب أتحاشى ما ذهب إليه الاولون من كثرة عرض الشواهد وتكرار الأحاديث في الوجه الواحد، والافاضة في الشرح والتحليل، بما يرهق القارئ غير المختص، وهو بالنسبة لي القارئ المستهدف، فلقد وضعت نصب عيني هذه الفئة من المجتمع، الفئة التي تود معرفة سيرة نبيها، ولكنها لا تجد الوقت والجلد على الخوض في الكتب والشروح الطويلة”.
وقد التزم الكاتب بمنهجيته فجاء شاملاً ومعبراً ومقدماً سيرة الرسول في أبهج كتابة يستمتع بها القارئ، ويأخذ منها العبرة والهدى، فقد وجه الكاتب كتابه إلى فئة بعينها تلك الفئة وهي فئة الشباب التي ضاعت توجهاتها ورؤاها بما يصب في أذهانها من سيرة الرسول وأقوله وأفعاله عبر شيوخ الفضائيات والتي تتنافى مع رحمته وحكمته في المواقف التي واجهها.
يفتتح “في ثنايا السيرة” بدايةً من ميلاد رسولنا الكريم وكفالة جده ثم عمه، وحين أصبح في الأربعين تزوج من خديجة بنت خويلد حين أدركت صدقه وأمانته في تجارتها، وساندته في بدايات الدعوة وأمنت به ووقفت إلى جانبه. ويقدم الكتاب موقف قريش من دعوة رسولنا ورفضهم الكامل لهذه الدعوة، وممارسة شتى أنواع الإيذاء له ولأتباعه، ورغم ذلك إلا أن أعداد الداخلين في دعوته يزداد يوماً بعد يوم، لما خبروه من صدق الداعي لهم، ورحمته وعطفه عليهم.
لم يكتف الكاتب بسرد سيرة رسولنا بل كان يعرج على التعريف بالشخصيات التي ارتبطت به أو كانت قريبة منه، مثل حياة حليمة السعدية، وخديجة بنت خويلد، مستشهداً عن حياتهم من كتب الأولين كسيرة ابن هشام، وابن سحاق. وقد اتخذ الكاتب من أسلوب التعليق على بعض القصص التي يرويها عن رسولنا، ليكشف من خلالها الصفات التي كان يتصف بها رسولنا، ويحاول أن يربطها بالواقع، وكيفية تعامل المسلمين اليوم مع أحداث مشابهة.
يحاول الكاتب أن يركز على صفات رسولنا ورحمته أكثر من تركيزه على تقديم سيرة حياة رسولنا كاملة، بل كان يتخير ما يبرز مواقف الرسول المعبرة عن الرحمة والأمانة، والابتعاد عن العنف، فهذه قريش رغم إيذائها الشديد له ولأتباعه لم يرفع السلاح في وجههم، بل طالب من أصحابه الهجرة إلى الحبشة لاتقاء شر قريش، ثم إلى يثرب بعد العقبة الأولى والثانية، وعندما عاد إلى قريش قوياً ويمتلك القدرة على القصاص، فلم يفعل، وحين سألوه ما هو فاعل بهم: قال لهم أنت طلقاء، فلم يقتلهم ولم يحاسبهم رغم أنهم قاتلوه في الغزوات الثلاث، وقتلوا خيرة رجاله، إلا أنه رحمته غلبت على كل انتقام.
ومن أكثر ما يثار في سيرته قوة رابطة الدم وتمسك رسولنا بأهله، ومساندة أهله له، فهذا عمه أبو طالب رغم أنه لم يكن على دعوته، إلا أنه رفض تسليمه إلى قريش وحماه بكل قوة، ودعمه أثناء حصار قريش له. وكذلك احضار رسولنا عمه العباس إلى اجتماع العقبة رغم أنه على دين قريش، وجعله يفتتح الحديث بينه وبين رجال يثرب، ما يؤكد على رابطة الدم، يعلق الكاتب على هذا الموقف من رسولنا قائلاً: “أراد أن يعلمنا بأن رابطة الدم والرحم لا يلغيها الاسلام، ولا يعاديها حتى مع المشركين، إلا إذا أظهروا عداء واضحاً وصريحاً لله ورسوله، قولاً وفعلاً، وليس كما يريد البعض في زماننا إزهاقها ونسفها لمجرد أن أخاه المسلم، أو حتى أباه يخالفه الرأي والتوجه”.
لقد مر رسولنا بفترة كانت مدتها 23 عاماً مليئة بالأحداث الهامة والمشاكل والصعوبات التي واجهته عليه الصلاة والسلام أثناء نشر الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكان في جميعها مثالاً للرحمة والعطف، والحرص على رد الأمانة، وهذا تجلي حينما عزم على الهجرة من مكة إلى يثرب مع أبي بكر، فقد طلب من علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه بدلاً منه، لكي تظن قريش أنه ما يزال في فراشه، وليقوم علي بن أبي طالب برد الأمانات إلى أهلها في صباح اليوم التالي. كان رسولنا حريصاً على إعادة الأمانات إلى أصحابها، رغم أن معظم أصحابها كانوا من كفار قريش، كما أن في إيداع الكفار أماناتهم عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دلالة على أنهم يعلمون في دواخلهم أمانة رسول الله وصدقه وحسن سيرته ونسبه.
وهنا يسعى الكاتب إلى أن يزرع في الأجيال الجديدة الأخلاق الفاضلة الحميدة التي تحلى بها رسولنا من خلال سرد سيرته والتي تؤدي إلى استقرار المجتمع وهي من الأمور الرئيسية التي لا ينبغي التنازل عنها، كما ينبغي التعامل بالحق مع جميع الناس حتى مع الأعداء أو مع المخالفين في الرأي. فنجده عند وصوله إلى المدينة ولم تكن جميعها مع دعوته، ولكنه كان حريصاً على توحيد المسلمين في المدينة، وقد قام بذلك من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يتعاونون فيما بينهم، وينصرون بعضهم البعض. كما كتب وثيقة المدينة، والتي نص فيها وأقر على حقوق اليهود في دينهم وأموالهم دون الاعتداء على المسلمين، ونصت الوثيقة أيضاً على أن المسلمين من جميع القبائل أمة واحدة.
في كل المواقف التي واجهها رسولنا رغم اشتدادها لم يكن داع إلى الحرب والقتال، ولم يخوض القتال بدافع تكفير الآخرين أو العصبية الحزبية، بل يتعامل مع الموقف بكل حكمة وتوجيهات من الله سبحانه وتعالي، فهو رسول محبة وسلام، ولم يكن يسعى من ملاقاة قريش قبل غزوة بدر بهدف القتال بل كان سعيه أن يوصل رسالة إلى قريش أن المسلمين أصبحوا يمتلكون القوة، وأن لهم حقوقاً وأموالاً لدى قريش يجب أن ترجع.
هذا هو رسولنا الذي نقتدي به، ويحاول الكاتب محمد نصار في سيرته أن يغرس محبته في قلوبنا. إن السيرة حافلة بالأحداث والتفاصيل ولا يمكن أن نجملها في هذا المقال، لهذا ندعو القراء إلى قرأتها لكي يتعرفوا على رحمة رسولنا وعطفه وأمانته، ويدرك الفرق بين ما يقال باسم رسولنا في زماننا، وبين ما جاء في سيرته التي تشعرنا بمدى عظمة رسولنا ومواجهته لكل المحن حتى يوصل إلينا رسالة الإسلام بالشكل السهل الميسر.
ومن الجدير ذكره أن الكاتب محمد نصار أردف كتابه هذا، بكتاب أخر بعنوان (وإنك لعلى خلق عظيم) من منشورات مكتبة سمير منصور بغزة سنة 2022 يتحدث فيه عن أخلاق رسولنا مستنداً إلى سيرته وتعامله مع أصحابه ومع الآخرين المخالفين لدعوته. يقول الكاتب: “هذا الخلق الذي كان عماد الدعوة ونبراسها إلى العالم أجمع ومنارها الساطع إلى طريق الهداية والرشاد، خلق غير متكلف أو مدعي ولكنه متأصل فيه”.
كتابان جديران بالقراءة فهما يقدمان صورةً للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، كي يجعل منها دستوراً يتمسك به ويسير عليه، ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه واجد كل ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعظم ما يكون من الوضوح والكمال، ولذا جعله الله قدوة للإنسانية كلها. وفي هذان الكتابان يتجلى أمام القارئ أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة، سواء ما كان منها متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق، إذ لا ريب أن حياة رسولنا عليه الصلاة والسلام إنما هي صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.
وخير ما نختم به مقالنا ما قاله رب العزة عن رسول الإنسانية جمعاء “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
غزة: 6/4/2023

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا