الرئيسيةمختاراتمقالاتقصة الحقارة مع الاعتذار لويل ديورانت

قصة الحقارة مع الاعتذار لويل ديورانت

كتب: هادي جلو مرعي*

البعض يرى أن الشر من طبائع الناس، ولكنهم بحاجة إلى السعي في الخير، والحق أن الله أوجد في الإنسان الاستعداد للشر ليبتليه، ويختبره، بينما الشر عارض، والرب لايرتضيه، ويمقته كما يمقت الظلم، ويجرّم عليه، ويعاقب مرتكبيه بأشد العقاب.

‏الحقير هو الذليل المهان الذي يستصغره الناس لفعاله السيئة، ونكرانه للجميل، وقد يستخدم الناس هذا الوصف لمن ينطوي على سلوك التكبر، وإذلال الآخرين إذا تمكن منهم، أو استعلى عليهم، فيأتي بالفاحش من القول، والبغيض من الأفعال، وربما استعمله الناس بغير محل الوصف. فالحقير عندنا هو الذي يتعمد الإيذاء، ويمنع الخير عن غيره، وهو هنا قوي، ويمتلك السلطة والنفوذ، وفي أحيان يستخدم للتشفي، وقد يستخدم للمداعبة كأن تقول الفتاة لصديقتها: أنت حقيرة لأنها استخدمت معها سلوكا لاترتضيه، ولكنها ليست في محل الزعل منها، وكذلك يقول الصديق لصديقه والصديقة لصديقها، ولكن الأصل في اللغة هو الذليل المهان، وقد يقال في وصف الشيء التافه والقليل ومالاقيمة له ويأنفه الناس.

‏عندنا، وماتعودناه هو المعنى الشائع والساذج والمتداول، وهو أن الحقير من صغرت نفسه، ودنت، فلايعود يرتجى منه خير، حتى إننا نرى الحقارة طبعا لدى البعض ممن لاحظ لهم من الدنيا، فلما فاض عليه الخير تكبر وتجبر، وتعمد الإيذاء واستغلال ماله ونفوذه ومنصبه للتنكيل بمن هم دونه، أو مشاركيه في العمل، أو من يعملون بمعيته، وحتى من هم أشرف وأرفع منه، لكنه يستغل وجوده في منصب، وحين تقودهم الحاجة إليه فإنه يترفع ويتكبر، ويمنع عنهم قضاء حوائجهم، ويتصرف بطريقة مقيتة، ولاترقى إلى طباع الإنسان المتزن، وهولاء يملأون حياتنا، ويمارسون أدوارا غاية في السوء والوضاعة، وهم ينتشرون في بلاد الدنيا كلها، ولكنهم في البلدان الفقيرة أكثر، وفي البلدان التي يكثر فيها الفساد ويعم، ويكون الطغيان لدى أهل الحكم في مستوى عال لايستطيع أحد وقفه ومنعه من التمدد والإيذاء.

‏ومثلما للحضارة قصة، فللحقارة قصص، وإذا كانت الحضارة إبداعا فكريا وعمرانيا، وفي شؤون مختلفة من شؤون حياة البشر الممتدة لآلاف من السنين، ونتجت عنها ابتكارات في الهندسة والزراعة والصناعة والعمران، وكلفت البشرية المعاناة والموت والأموال، فقد ظلت الحقارة متواصلة ومتنقلة من جيل إلى الجيل الذي يليه، وهي رفيقة السلوك البشري، وسعيد من تخلص منها، ونفر عنها، ومال إلى طريق يوصله لغايته دون أن تصيبه بشرورها، أو يتطبع بها، فيؤذي سواه، حتى إننا نجتهد في الصبر على الحقير، وننتظر أن ينتهي به المطاف إلى الخروج من دائرة التسلط لالننتقم منه، أو لنستذله ونطارده وننكل به فهذه ليست شيم الخيرين، ولكن هدفنا الخلاص من شروره والسوء الذي يطبع سلوكه.

*كاتب عراقي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا