قبل أوسلو أم قبل السابع من أكتوبر

غاية إسرائيل واضحة وضوح الشمس وهي العودة بالفلسطينيين إلى ما قبل اتفاق أوسلو وما تضمنه من مشروع حل الدولتين وشطب الحل السياسي بشكل نهائي والتركيز على الحل الأمني .

كتب: أوس أبوعطا

من خلال كافة اللقاءات التي حدثت بين المسؤولين الأميركيين والسّلطة الوطنية الفلسطينية بعد السّابع من أكتوبر، كان من الواضح أنّ السّلطة الوطنية تعمل بكل ما أوتيت من شرعية على توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، سياسيا وجغرافيا واقتصاديا، ولهذا طالبت بحل شامل يشمل كل من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عسكريا، ورفضت استلام أموال المقاصة منقوصة عن مستحقات غزة.

والجدير بالذكر أن السلطة الوطنية تقوم بتحويل نحو 45 في المئة من الموازنة إلى قطاع غزة لدفع الرواتب والتحويلات الاجتماعية، بينما انخفضت مساهمة قطاع غزة في الإيرادات العامة من 28 في المئة عام 2005 إلى نحو 2 في المئة فقط بعد انقلاب حركة حماس. وللحديث بلغة الأرقام، تدفع السّلطة الوطنية شهريا لقطاع غزة 140 مليون دولار وذلك حسب التصريح الأخير للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وفي المقابل يواجه المشروع الوطني الفلسطيني تحديّين كبيرين لا يمكن تجاوزهما، داخليا وخارجيا، الأوّل تمثّل برفض كلّ من الجهاد وحماس تنازل الأخيرة عن الحكم في القطاع مقابل وقف إطلاق نار دائم، وذلك حسب ما صرّح به مسؤولان أمنيان مصريان لوكالة رويترز حديثا. ومن الواضح أيضا أن من يتّفق مع حركتي الجهاد وحماس بهذا الشأن هو يساند الانقسام الفلسطيني الحاصل ويطالب بديمومته ويقف ضد توحيد الوطن، وهذا يخدم الاحتلال بالدرجة الأولى وهذا أمر لا يحتاج لاستنتاج.

وتظهر مخاوف حركة حماس جليّا لخسارتها الحكم في قطاع غزة بزيادة قمعها للشعب الفلسطيني وتشديد قبضتها الأمنية والتحكم بالمساعدات الداخلة للقطاع، وكأنها تريد إيصال رسالة للداخل والخارج أنها ما تزال تمسّك بزمام الحكم في غزة رغم المذابح الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني والتي تستهدف وجوده بالدرجة الأولى منذ أكثر من ثمانين يوما.

أمّا التحدي الخارجي الثاني، فهو يظهر بوضوح من خلال تفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلية المستمر، أنّه الوحيد القادر على منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتوحيد شطري الوطن الفلسطيني سياسيا وجغرافيا واقتصاديا.

لا يزال بنيامين نتنياهو (بيبي) يعمل على استنزاف السّنوات والمقدرات الفلسطينية من خلال تكثيف جهوده لإدارة الصراع مع الفلسطينيين وليس حل الصراع ومن خلفه الإدارة الأميركية كانت ديمقراطية أم جمهورية.

فبيبي يعتبر أن أوسلو هو “أمّ الخطايا” ويطبّق ذلك على الأرض فعليا من خلال التدمير الحالي الحاصل في قطاع غزة والذي هدفه ترحيل الفلسطينيين أو إعادتهم للآلاف من السنوات إلى الوراء، كما أنّ الضفة الغربية تدفع ثمن عملية طوفان الأقصى أيضا وتنتقم منها إسرائيل شر انتقام أسوة مع غزّة وتعاقبها بلا ذريعة، عبر القيام بعمليات عسكرية بشكل دائم في مدن وقرى ومخيمات الضفة، والتوسع بإقامة المستوطنات اللاشرعية وإطلاق قطعان المستوطنين وحمايتهم من الشرطة والجيش الإسرائيلي للاعتداء على البلدات والقرى والعيث بها فسادا، والسّماح أيضا باقتحام الأقصى بشكل شبه يومي هناك، ومنع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل للعمل، واقتطاعها لأموال الشهداء والأسرى والجرحى من المقاصة الفلسطينية. ومن الملاحظ أنّه قبل السابع من أكتوبر لم تكن إسرائيل تقتطع دولارا واحدا من الأموال القطرية الداخلة إلى حركة حماس سابقا، وهي تعلم علم اليقين أنها تذهب لعناصر حركتها، رغبة من إسرائيل في استمرار مصلحتها القاضية باستمرار الانقسام الفلسطيني.

يتعامل كل من بيبي وحكومته المتطرفة مع الشّعب الفلسطيني بصفتهم سكانا وليسوا مواطنين ولهم حقوق. كل هذا يؤشر أن بيبي وحكومته اليمنية المتشددة يضاعفان جهودهما للإجهاز التّام على القضية الفلسطينية مستغلّيْن المناخ الغربي العام الداعم لإسرائيل بعد ما حصل في السابع من أكتوبر.

فالغاية السّياسية الإسرائيلية واضحة وضوح الشّمس في كبد السماء، ألا وهي العودة بالفلسطينيين إلى ما قبل اتفاق أوسلو وما تضمنه من مشروع حل الدولتين، وشطب الحل السياسي بشكل نهائي والتركيز على الحل الأمني فقط لا غير. تتصرف إسرائيل على هذا النحو الإرهابي، متغافلة أن قضية الشعب الفلسطيني هي قضية تحرر بالدرجة الأولى، قضية شعب باسل بذل الغالي والرخيص للحصول على دولة مستقلة تضمن كافة حقوقه والتي أقرّتها الشّرائع الدّولية.

فإسرائيل تهدف إلى العودة لما قبل اتفاق أوسلو من خلال تمزيقه على أرض الواقع، وحماس اليوم أيضا تهدف إلى العودة لما قبل السابع من أكتوبر أي أن تظل هي الجهة الوحيدة الحاكمة لقطاع غزة وبهذا يعمل الطرفان، وإن علمت حماس فداحة خطيئتها أم لم تعلم، على منع توحيد الوطن تحت راية واحدة وتقديم الذريعة اللازمة لاستمرار احتلال قطاع غزة تناظرا مع الضفة.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا